الفعل ما صدر من المخاطب لأن في الإخبار عنهم بذلك نعيا عليهم ما أفسدوه ، وكأنه يخبر غيرهم ما صدر من قبيح فعلهم ويقول ألا ترى إلى ما ارتكب هؤلاء في دين الله جعلوا أمر دينهم قطعا كما يتوزع الجماعة الشيء لهذا نصيب ولهذا نصيب ، تمثيلا لاختلافهم ثم توعدهم برجوع هذه الفرقة المختلفة إلى جزائه. وقيل : كل من الثابت على دينه الحق والزائغ عنه إلى غيره. وقرأ الأعمش زبرا بفتح الباء جمع زبرة ، ثم ذكر حال المحسن وأنه لا يكفر سعيه والكفران مثل في حرمان الثواب كما أن الشكر مثل في إعطائه إذا قيل لله شكور ولا لنفي الجنس فهو أبلغ من قوله فلا يكفر سعيه ، والكتابة عبارة عن إثبات عمله الصالح في صحيفة الأعمال ليثاب عليه ، ولا يضيع ، والكفران مصدر كالكفر. قال الشاعر :
رأيت أناسا لا تنام جدودهم |
|
وجدي ولا كفران لله نائم |
وفي حرف عبد الله لا كفر و (لِسَعْيِهِ) متعلق بمحذوف ، أي نكفر (لِسَعْيِهِ) ولا يكون متعلقا بكفران إذ لو كان متعلقا به لكان اسم لا مطولا فيلزم تنوينه.
وقرأ الجمهور (وَحَرامٌ) وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وطلحة والأعمش وأبو حنيفة وأبو عمرو في رواية وحرم بكسر الحاء وسكون الراء. وقرأ قتادة ومطر الوراق ومحبوب عن أبي عمرو بفتح الحاء وسكون الراء. وقرأ عكرمة وحرم بكسر الراء والتنوين. وقرأ ابن عباس وعكرمة أيضا وابن المسيب وقتادة أيضا بكسر الراء وفتح الحاء والميم على المضي بخلاف عنهما ، وأبو العالية وزيد بن عليّ بضم الراء وفتح الحاء والميم على المضي. وقرأ ابن عباس أيضا بفتح الحاء والراء والميم على المضيّ. وقرأ اليماني وحرّم بضم الحاء وكسر الراء مشددة وفتح الميم. وقرأ الجمهور (أَهْلَكْناها) بنون العظمة.
وقرأ السلمي وقتادة بتاء المتكلم ، واستعير الحرام للمتنع وجوده ومنه (إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) (١) ومعنى (أَهْلَكْناها) قدرنا إهلاكها على ما هي عليه من الكفر ، فالإهلاك هنا إهلاك عن كفر و (لا) في (لا يَرْجِعُونَ) صلة وهو قول أبي عبيد كقولك : ما منعك أن لا تسجد ، أي يرجعون إلى الإيمان والمعنى وممتنع على أهل قرية قدرنا عليهم إهلاكهم لكفرهم رجوعهم في الدنيا إلى الإيمان إلى أن تقوم القيامة ، فحينئذ يرجعون ويقولون (يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) وغيا بما قرب من مجيء الساعة وهو فتح
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٥٠.