أشد الساعة وأهوال يوم القيامة و (شَيْءٌ) هنا يدل على إطلاقه على المعدوم لأن الزلزلة لم تقع بعد ، ومن منع إيقاعه على المعدوم قال : جعل الزلزلة شيئا لتيقن وقوعها وصيرورتها إلى الوجود.
وذكر تعالى أهول الصفات في قوله (تَرَوْنَها) الآية لينظروا إلى تلك الصفة ببصائرهم ويتصوروها بعقولهم ليكون ذلك حاملا على تقواه تعالى إذ لا نجاة من تلك الشدائد إلّا بالتقوى. وروي أن هاتين الآيتين نزلتا ليلا في غزوة بني المصطلق فقرأهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلم ير أكثر باكيا من تلك الليلة ، فلما أصبحوا لم يحطوا السروج عن الدواب ولم يضربوا الخيام وقت النزول ولم يطبخوا قدرا ، وكانوا من بين حزين باك ومفكر. والناصب ليوم (تَذْهَلُ) والظاهر أن الضمير المنصوب في (تَرَوْنَها) عائدا على الزلزلة لأنها المحدث عنها ، ويدل على ذلك وجود ذهول المرضعة ووضع الحمل هذا إذا أريد الحقيقة وهي الأصل ، ويكون ذلك في الدنيا. وعن الحسن (تَذْهَلُ) المرضعة عن ولدها لغير فطام (وَتَضَعُ) الحامل ما في بطنها لغير تمام. وقالت فرقة : الضمير يعود على (السَّاعَةِ) فيكون الذهول والوضع عبارة عن شدة الهول في ذلك اليوم ، ولا ذهول ولا وضع هناك كقولهم : يوم يشيب فيه الوليد. وجاء لفظ (مُرْضِعَةٍ) دون مرضع لأنه أريد به الفعل لا النسب ، بمعنى ذات رضاع. وكما قال الشاعر :
كمرضعة أولاد أخرى وضيعت
بني بطنها هذا الضلال عن القصد ، والظاهر أن ما في قوله (عَمَّا أَرْضَعَتْ) بمعنى الذي ، والعائد محذوف أي أرضعته ، ويقويه تعدي وضع إلى المفعول به في قوله (حَمْلَها) لا إلى المصدر. وقيل : ما مصدرية أي عن إرضاعها. وقال الزمخشري : المرضعة هي التي في حال الإرضاع تلقم ثديها الصبي ، والمرضع التي شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به. فقيل (مُرْضِعَةٍ) ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة ، وخص بعض نحاة الكوفة أم الصبيّ بمرضعة والمستأجرة بمرضع وهذا باطل بقول الشاعر :
كمرضعة أولاد أخرى وضيعت
البيت فهذه (مُرْضِعَةٍ) بالتاء وليست أمّا للذي ترضع. وقول الكوفيين إن الوصف الذي يختص بالمؤنث لا يحتاج فيه إلى التاء لأنها إنما جيء بها للفرق مردود بقول العرب مرضعة وحائضة وطالقة.