بالنسبة إلى العذاب كالحالة اللينة وهو الذهول والوضع ورؤية الناس أشباه السكارى ، وكأنه قيل : وهذه أحوال هينة (وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) وليس بهين ولا لين لأن لكن لا بد أن تقع بين متنافيين بوجه وتقدم الكلام فيها.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) أي في قدرته وصفاته. قيل : نزلت في أبي جهل. وقيل : في أبيّ بن خلف والنضر بن الحارث. وقيل : في النضر وكان جدلا يقول الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين ، ولا يقدر الله على إحياء من بلي وصار ترابا والآية في كل من تعاطى الجدال فيما يجوز على الله وما لا يجوز من الصفات والأفعال ، ولا يرفع إلى علم ولا برهان ولا نصفة. والظاهر أن قوله (كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) هو من الجن كقوله (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) (١). وقيل : يحتمل أن يكون من الإنس كقوله (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) (٢).
لما ذكر تعالى أهوال يوم القيامة ذكر من غفل عن الجزاء في ذلك اليوم وكذب به. وقرأ زيد بن عليّ (وَيَتَّبِعُ) خفيفا ، والظاهر أن الضمير في (عَلَيْهِ) عائد على (مَنْ) لأنه المحدث عنه ، وفي (أَنَّهُ) و (تَوَلَّاهُ) وفي (فَأَنَّهُ) عائد عليه أيضا ، والفاعل يتولى ضمير (مَنْ) وكذلك الهاء في (يُضِلُّهُ) ويجوز أن تكون الهاء في هذا الوجه أنه ضمير الشأن ، والمعنى أن هذا المجادل لكثرة جداله بالباطل واتباعه الشيطان صار إماما في الضلال لمن يتولاه ، فشأنه أن يضل من يتولاه. وقيل : الضمير في (عَلَيْهِ) عائد على (كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) قاله قتادة ولم يذكر الزمخشري غيره ، وأورد ابن عطية القول الأول احتمالا. وقال ابن عطية : ويظهر لي أن الضمير في (أَنَّهُ) الأولى للشيطان والثانية لمن الذي هو للمتولي. قال الزمخشري : والكتبة عليه مثل أي إنما (كُتِبَ) إضلال من يتولاه (عَلَيْهِ) ورقم به لظهور ذلك في حاله.
وقرأ الجمهور (كُتِبَ) مبنيا للمفعول. وقرىء (كُتِبَ) مبنيا للفاعل أي كتب الله. وقرأ الجمهور : (أَنَّهُ) بفتح الهمزة في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله ، (فَأَنَّهُ) بفتحها أيضا ، والفاء جواب (مَنْ) الشرطية أو الداخلة في خبر (مَنْ) إن كانت موصولة. و (فَأَنَّهُ) على تقدير فشأنه أنه (يُضِلُّهُ) أي إضلاله أو فله أن يضله.
وقال الزمخشري : فمن فتح فلأن الأول فاعل (كُتِبَ) بعني به مفعولا لم يسم
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١١٧.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ١١٢.