وقرأ الجمهور (يَأْتِينَ) فالظاهر عود الضمير (عَلى كُلِّ ضامِرٍ) لأن الغالب أن البلاد الشاسعة لا يتوصل منها إلى مكة بالركوب ، وقد يجوز أن يكون الضمير يشمل (رِجالاً) و (كُلِّ ضامِرٍ) على معنى الجماعات والرفاق. وقرأ عبد الله وأصحابه والضحاك وابن أبي عبلة يأتون غلب العقلاء الذكور في البداءة برجال تفضيلا للمشاة إلى الحج. وعن ابن عباس : ما آسى على شيء فاتني أن لا أكون حججت ماشيا ، والاستدلال بقوله (يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) على سقوط فرض الحج على من يركب البحر ولا طريق له سواه ، لكونه لم يذكر في هذه الآية ضعيف لأن مكة ليست على بحر ، وإنما يتوصل إليها على إحدى هاتين الحالتين مشي أو ركوب ، فذكر تعالى ما يتوصل به إليها. وقرأ ابن مسعود فج معيق. قال ابن عباس وغيره من المنافع التجارة. وقال الباقر : الأجر. وقال مجاهد وعطاء كلاهما ، واختاره ابن العربي.
قال الزمخشري : ونكر المنافع لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنياوية لا توجد في غيرها من العبادات. وعن أبي حنيفة أنه كان يفاضل بين العبادات قبل أن يحج ، فلما حج فضّل الحج على العبادات كلها لما شاهد من تلك الخصائص ، وكنى عن النحر والذبح بذكر اسم الله لأن أهل الإسلام لا ينفكون عن ذكر اسمه إذا نحروا أو ذبحوا ، وفيه تنبيه على أن الغرض الأصلي فيما يتقرب به إلى الله أن يذكر اسمه وقد حسن الكلام تحسينا بيّنا أن جمع بين قوله ليذكروا اسم الله عليه. وقوله (عَلى ما رَزَقَهُمْ) ولو قال لينحروا (فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) لم تر شيئا من ذلك الحسن والروعة انتهى.
واستدل من قال أن المقصود بذكر اسم الله هو على الذبح والنحر على أن الذبح لا يكون بالليل ولا يجوز فيه لقوله (فِي أَيَّامٍ) وهو مذهب مالك وأصحاب الرأي. وقيل : الذكر هنا حمده وتقديسه شكرا على نعمته في الرزق ويؤيده قوله عليهالسلام : «أنها أيام أكل وشرب» وذكر اسم الله والأيام المعلومات أيام العشر قاله ابن عباس والحسن وإبراهيم وقتادة وأبو حنيفة ، والمعدودات أيام التشريق الثلاثة. وقالت فرقة منهم مالك وأصحابه : المعلومات يوم النحر ويومان بعده ، والمعدودات أيام التشريق الثلاثة ، فيوم النحر معلوم لا معدود واليومان بعده معلومان معدودان ، والرابع معدود لا معلوم ويوم النحر ويومان بعده هي أيام النحر عند عليّ وابن عباس وابن عمر وأنس وأبي هريرة وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وأبي حنيفة والثوري ، وعند الحسن وعطاء والشافعي ثلاثة أيام بعد يوم النحر ، وعند النخعي النحر يومان ، وعند ابن سيرين النحر يوم واحد ، وعن أبي سلمة وسليمان بن