وقدّره الزمخشري الأمر أو الشأن (ذلِكَ) قال كما يقدم الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني ، ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر قال : هذا وقد كان كذا انتهى. وقيل : مبتدأ محذوف الخبر أي (ذلِكَ) الأمر الذي ذكرته. وقيل في موضع نصب تقديره امتثلوا (ذلِكَ) ونظير هذه الإشارة البليغة قول زهير وقد تقدم له جمل في وصف هرم :
هذا وليس كمن يعيا بخطبته |
|
وسط الندى إذا ما ناطق نطقا |
وكان وصفه قبل هذا بالكرم والشجاعة ، ثم وصفه في هذا البيت بالبلاغة فكأنه قال : هذا خلقه وليس كمن يعيا بخطبته ، والحرمات ما لا يحل هتكه وجميع التكليفات من مناسك الحج وغيرها حرمه ، والظاهر عمومه في جميع التكاليف ، ويحتمل الخصوص بما يتعلق بالحج وقاله الكلبي قال : ما أمر به من المناسك ، وعن ابن عباس هي جميع المناهي في الحج : فسوق وجدال وجماع وصيد. وعن ابن زيد هي خمس المشعر الحرام ، والمسجد الحرام ، والبيت الحرام ، والشهر الحرام ، والمحرم حتى يحل. وضمير (فَهُوَ) عائد على المصدر المفهوم من قوله (وَمَنْ يُعَظِّمْ) أي فالتعظيم (خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) أي قربة منه وزيادة في طاعته يثيبه عليها ، والظاهر أن خيرا هنا ليس أفعل تفضيل.
و (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) دفعا لما كانت عليه من تحريم أشياء برأيها كالبحيرة والسائبة ، ويعني بقوله (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) ما نص في كتابه على تحريمه ، والمعنى (ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) آية تحريمه.
ولما حث على تعظيم حرمات الله وذكر أن تعظيمها خير لمعظمها عند الله أتبعه الأمر باجتناب الأوثان وقول الزور لأن توحيد الله ونفي الشركاء عنه وصدق القول أعظم الحرمات ، وجمعا في قران واحد لأن الشرك من باب الزور لأن المشرك يزعم أن الوثن يستحق العبادة فكأنه قال (فَاجْتَنِبُوا) عبادة (الْأَوْثانِ) التي هي رأس الزور (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) كله. و (مَنْ) في (مِنَ الْأَوْثانِ) لبيان الجنس ، ويقدر بالموصول عندهم أي الرجس الذي هو الأوثان ، ومن أنكر أن تكون (مَنْ) لبيان الجنس جعل (مَنْ) لابتداء الغاية فكأنه نهاهم عن الرجس عاما ثم عين لهم مبدأه الذي منه يلحقهم إذ عبادة الوثن جامعة لكل فساد ورجس ، وعلى القول الأول يكون النهي عن سائر الأرجاس من موضع غير هذا.
قال ابن عطية : ومن قال إن (مَنْ) للتبعيض قلب معنى الآية فأفسده انتهى. وقد