التأنيث من حيث أراد الأمة والقبيلة ، وبنى الفعل للمفعول في (وَكُذِّبَ مُوسى) أن قومه لم يكذبوه وإنما كذبه القبط (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) أي أمهلت لهم وأخرت عنهم العذاب مع علمي بفعلهم ، وفي قوله (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) ترتيب الإملاء على وصف الكفر ، فكذلك قريش أملى تعالى لهم ثم أخذهم في غزوة بدر وفي فتح مكة وغيرهما ، والأخذ كناية عن العقاب والإهلاك ، والنكير مصدر كالندير المراد به المصدر ، والمعنى فكيف كان إنكاري عليهم وتبديل حالهم الحسنة بالسيئة وحياتهم بالهلاك ومعمورهم بالخراب؟ وهذا استفهام يصحبه معنى التعجب ، كأنه قيل : ما أشد ما كان إنكاري عليهم وفي الجملة إرهاب لقريش (فَكَأَيِّنْ) للتكثير ، واحتمل أن يكون في موضع رفع على الابتداء وفي موضع نصب على الاشتغال.
وقرأ أبو عمرو وجماعة أهلكتها بتاء المتكلم ، والجمهور بنون العظمة (وَهِيَ ظالِمَةٌ) جملة حالية (فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) تقدم تفسير هذه الجملة في البقرة في قوله (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) (١) وقال الزمخشري : فإن قلت : ما محل الجملتين من الإعراب؟ أعني (وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ) قلت : الأولى في محل نصب على الحال ، والثانية لا محل لها لأنها معطوفة على (أَهْلَكْناها) وهذا الفعل ليس له محل انتهى.
وهذا الذي قاله ليس بجيد لأن (فَكَأَيِّنْ) الأجود في إعرابها أن تكون مبتدأة والخبر الجملة من قوله (أَهْلَكْناها) فهي في موضع رفع والمعطوف على الخبر خبر ، فيكون قوله (فَهِيَ خاوِيَةٌ) في موضع رفع ، لكن يتجه قول الزّمخشري على الوجه القليل وهو إعراب (فَكَأَيِّنْ) منصوبا بإضمار فعل على الاشتغال ، فتكون الجملة من قوله (أَهْلَكْناها) مفسرة لذلك الفعل ، وعلى هذا لا محل لهذه الجملة المفسرة فالمعطوف عليها لا محل له.
وقرأ الجحدري والحسن وجماعة (مُعَطَّلَةٍ) مخففا يقال : عطلت البئر وأعطلتها فعطلت ، هي بفتح الطاء ، وعطلت المرأة من الحليّ بكسر الطاء. قال الزمخشري : ومعنى المعطلة أنها عامرة فيها الماء ومعها آلات الاستقاء إلّا أنها عطلت أي تركت لا يستقى منها لهلاك أهلها ، والمشيد المجصص أو المرفوع البنيان والمعنى كم قرية أهلكنا ، وكم بئر
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٥٩.