فإنه في بعض يوم من أيام الله. وقيل : التشبيه وقع في الطول للعذاب فيه ، والشدة أي (وَإِنَّ يَوْماً) من أيام عذاب الله لشدة العذاب فيه وطوله (كَأَلْفِ سَنَةٍ) من عددكم إذ أيام الترحة مستطالة وأيام الفرحة مستقصرة ، وكان ذلك اليوم الواحد كألف سنة من سني العذاب والمعنى أنهم لو عرفوا حال الآخرة ما استعجلوه وهذا القول قريب من قول أبي مسلم. وقيل : التشبيه بالنسبة إلى علمه تعالى وقدرته وإنفاذ ما يريد (كَأَلْفِ سَنَةٍ) واقتصر على ألف سنة وإن كان اليوم عنده كما لا نهاية له من العدد لكون الألف منتهى العدد دون تكرار ، وهذا القول لا يناسب مورد الآية إلّا إن أريد أنه القادر الذي لا يعجزه شيء ، فإذا لم يستبعدوا إمهال يوم فلا يستبعدوا أيضا إمهال ألف سنة. وقال ابن عباس : أراد باليوم من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض. وقال ابن عيسى يجمع لهم عذاب ألف سنة في يوم واحد ، ولأهل الجنة سرور ألف سنة في يوم واحد. وقال الفراء : تضمنت الآية عذاب الدنيا والآخرة ، وأريد العذاب في الدنيا أي (لَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) في إنزال العذاب بكم في الدنيا ، (وَإِنَّ يَوْماً) من أيام عذابكم في الآخرة (كَأَلْفِ سَنَةٍ) من سني الدنيا فكيف تستعجلون العذاب. وقال الزجاج : تفضل تعالى عليهم بالإمهال والمعنى أن اليوم عند الله والألف سواء في قدرته بين ما استعجلوا به وبين تأخره.
وقرأ الأخوان وابن كثير يعدون بياء الغيبة ، وباقي السبعة بتاء الخطاب وعطفت (فَكَأَيِّنْ) الأولى بالفاء وهذه الثانية بالواو. وقال الزمخشري : الأولى وقعت بدلا عن قوله (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) وما هذه فحكمها حكم ما تقدمها من الجملتين المعطوفتين بالواو أعني قوله (لَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ) وتكرر التكثير بكأين في القرى لإفادة معنى غير ما جاءت له الأولى لأنه ذكر فيها القرى التي أهلكها دون إملاء وتأخير ، بل أعقب الإهلاك التذكير وهذه الآية لما كان تعالى قد أمهل قريشا حتى استعجلت بالعذاب جاءت بالإهلاك بعد الإملاء تنبيها على أن قريشا وإن أملى تعالى لهم وأمهلهم فإنه لا بد من عذابهم فلا يفرحوا بتأخير العذاب عنهم.
ثم أمر نبيه أن يقول لأهل مكة (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ) من عذاب الله موضح لكم ما تحذرون أو موضح النذارة لا تلجلج فيها ، وذكر النذارة دون البشارة وإن كان التقسيم بعد ذلك يقتضيهما لأن الحديث مسوق للمشركين ، و (يا أَيُّهَا النَّاسُ) نداء لهم وهم المقول فيهم (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) والمخبر عنهم باستعجال العذاب وإنما ذكر المؤمنون هنا وما أعد الله لهم من الثواب ليغاظ المشركون بذلك وليحرضهم على نيل هذه الرتبة الجليلة