مات في سبيل الله أخبر أنه لا يدع نصرتهم في الدنيا على من بغى عليهم. وقال ابن جريج : الآية في المشركين بغوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأخرجوه والتقدير الأمر ذلك. قال الزمخشري : تسمية الابتداء بالجزاء لملابسته له من حيث إنه سبب وذلك مسبب عنه كما يحملون النظير على النظير والنقيض على النقيض للملابسة فإن قلت : كيف طابق ذكر العفو الغفور هذا الموضع؟ قلت : المعاقب مبعوث من جهة الله عزوجل على الإخلال بالعقاب ، والعفو عن الجاني على طريق التنزيه لا التحريم ومندوب إليه ومستوجب عند الله المدح إن آثر ما ندب إليه وسلك سبيل التنزيه ، فحين لم يؤثر ذلك وانتصر وعاقب ولم ينظر في قول (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (١) (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (٢) (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٣) فإن (اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) أي لا يلومه على ترك ما بعثه عليه وهو ضامن لنصره في كرته الثانية من إخلاله بالعفو وانتقامه من الباغي عليه ، ويجوز أن يضمن له النصر على الباغي فيعرض مع ذلك بما كان أولى به من العفو ، ويلوح به ذكر هاتين الصفتين أو دل بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة لأنه لا يوصف بالعفو إلّا القادر على حده ذلك ، أي ذلك النصر بسبب أنه قادر.
ومن آيات قدرته البالغة أنه (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) و (النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) أو بسبب أنه خالق الليل والنهار ومصرفهما فلا يخفى عليه ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشر والبغي والانتصار. وأنه (سَمِيعٌ) لما يقولون (بَصِيرٌ) بما يفعلون وتقدم في أوائل آل عمران شرح هذا الإيلاج.
(ذلِكَ) أي ذلك الوصف بخلق الليل والنهار والإحاطة بما يجري فيهما وإدراك كل قول وفعل بسبب (أَنَّ اللهَ الْحَقُ) الثابت الإلهية وأن كل ما يدعى إلها دونه باطل الدعوة ، وأنه لا شيء أعلى منه شأنا وأكبر سلطانا. وقرأ الجمهور (وَأَنَّ ما) بفتح الهمزة. وقرأ الحسن بكسرها. وقرأ الاخوان وأبو عمرو وحفص (يَدْعُونَ) بياء الغيبة هنا في لقمان. وقرأ باقي السبعة بتاء الخطاب وكلاهما الفعل فيه مبني للفاعل. وقرأ مجاهد واليماني وموسى الأسواري يدعو بالياء مبنيا للمفعول والواو عائدة على ما على معناها و (ما) الظاهر أنها أصنامهم. وقيل : الشياطين والأولى العموم في كل مدعو دون الله تعالى.
__________________
(١) سورة الشورى : ٤٢ / ٤٠.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٣٧.
(٣) سورة الشورى : ٤٢ / ٤٣.