والمؤدى هو العين المؤتمن عليه أو القول إن كان المؤتمن عليه لا المصدر. وقرأ الإخوان على صلاتهم بالتوحيد ، وباقي السبعة بالجمع. والخشوع والمحافظة متغايران بدأ أولا بالخشوع وهو الجامع للمراقبة القلبية والتذلل بالأفعال البدنية ، وثنى بالمحافظة وهي تأديتها في وقتها بشروطها من طهارة المصلي وملبوسه ومكانه وأداء أركانها على أحسن هيئاتها ويكون ذلك دأبه في كل وقت. قال الزمخشري : ووحدت أولا ليفاد الخشوع في جنس الصلاة أي صلاة كانت ، وجمعت آخرا لتفاد المحافظة على إعدادها وهي الصلوات الخمس والوتر والسنن المرتبة مع كل صلاة وصلاة الجمعة والعيدين والجنازة والاستسقاء والكسوف والخسوف وصلاة الضحى والتهجد وصلاة التسبيح وصلاة الحاجة وغيرها من النوافل.
(أُولئِكَ) أي الجامعون لهذه الأوصاف (هُمُ الْوارِثُونَ) الأحقاء أن يسموا ورّاثا دون من عداهم ، ثم ترجم الوارثين بقوله (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) فجاء بفخامة وجزالة لإرثهم لا تخفى على الناظر ، ومعنى الإرث ما مر في سورة مريم انتهى. وتقدم الكلام في (الْفِرْدَوْسَ) في آخر الكهف.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) الآية لما ذكر تعالى أن المتصفين بتلك الأوصاف الجليلة هم يرثون الفردوس فتضمن ذلك المعاد الأخروي ، ذكر النشأة الأولى ليستدل بها على صحة النشأة الآخرة. وقال ابن عطية : هذا ابتداء كلام والواو في أوله عاطفة جملة كلام على جملة ، وإن تباينت في المعاني انتهى. وقد بيّنا المناسبة بينهما ولم تتباين في المعاني من جميع الجهات. و (الْإِنْسانَ) هنا. قال قتادة وغيره ورواه عن سلمان وابن عباس آدم لأنه انسل من الطين (ثُمَّ جَعَلْناهُ) عائد على ابن آدم وإن كان لم يذكر لشهرة الأمر وأن المعنى لا يصلح إلّا له ونظيره (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) (١) أو على حذف مضاف أي ثم جعلنا نسله. وعن ابن عباس أيضا أن (الْإِنْسانَ) ابن آدم و (سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) صفوة الماء يعني المني وهو اسم جنس ، والطين يراد به آدم إذ كانت نشأة من الطين كما سمى عرق الثرى أو جعل من الطين لكونه سلالة من أبويه وهما متغذيان بما يكون من الطين. وقال الزمخشري : خلق جوهر الإنسان أولا طينا ثم جعل جوهره بعد ذلك نطفة انتهى. فجعل الإنسان جنسا باعتبار حالتيه لا باعتبار كل مردود منه و (مِنْ) الأولى لابتداء الغاية و (مِنْ) الثانية قال الزمخشري للبيان كقوله (مِنَ الْأَوْثانِ) (٢) انتهى. ولا تكون للبيان إلّا على تقدير
__________________
(١) سورة ص : ٣٨ / ٣٢.
(٢) سورة الحج : ٢٢ / ٣٠.