التفضيل والخلاف فيها إذا أضيفت إلى معرفة هل إضافتها محضة أم غير محضة؟ فمن قال محضة أعرب (أَحْسَنُ) صفة ، ومن قال غير محضة أعربه بدلا. وقيل : خبر مبتدأ محذوف تقديره هو أحسن الخالقين ، ومعنى (الْخالِقِينَ) المقدرين وهو وصف يطلق على غير الله تعالى كما قال زهير :
ولأنت تفري ما خلقت وبع |
|
ض القوم يخلق ثم لا يفري |
قال الأعلم : هذا مثل ضربه يعني زهيرا ، والخالق الذي لا يقدر الأديم ويهيئه لأن يقطعه ويخرزه والفري القطع. والمعنى أنك إذا تهيأت لأمر مضيت له وأنفذته ولم تعجز عنه. وقال ابن عطية : معناه الصانعين يقال لمن صنع شيئا خلقه وأنشد بيت زهير. قال : ولا تنفي هذه اللفظة عن البشر في معنى الصنع إنما هي منفية بمعنى الاختراع. وقال ابن جريج : قال (الْخالِقِينَ) لأنه أذن لعيسى في أن يخلق وتمييز أفعل التفضيل محذوف لدلالة الخالقين عليه ، أي (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) خلقا أي المقدرين تقديرا. وروي أن عمر لما سمع (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) إلى آخره قال (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) فنزلت. وروي أن قائل ذلك معاذ. وقيل : عبد الله بن أبي سرح ، وكانت سبب ارتداده ثم أسلم وحسن إسلامه.
وقرأ زيد بن عليّ وابن أبي عبلة وابن محيصن لمائتون بالألف يريد حدوث الصفة ، فيقال أنت مائت عن قليل وميت ولا يقال مائت للذي قد مات. قال الفراء : إنما يقال في الاستقبال فقط وكذا قال ابن مالك ، وإذا قصد استقبال المصوغة من ثلاثي على غير فاعل ردت إليه ما لم يقدر الوقوع ، يعني أنه لا يقال لمن مات مائت. وقال الزمخشري : والفرق بين الميت والمائت أن الميت كالحي صفة ثابتة ، وأما المائت فيدل على الحدوث ، تقول : زيد مائت الآن ومائت غدا كقولك : يموت ونحوها ضيق وضائق في قوله (وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) (١) انتهى. والإشارة بقوله بعد ذلك إلى هذا التطوير والإنشاء (خَلْقاً آخَرَ) أي وانقضاء مدّة حياتكم.
(ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) ونبه تعالى على عظيم قدرته بالاختراع أولا ، ثم بالإعدام ثم بالإيجاد ، وذكره الموت والبعث لا يدل على انتفاء الحياة في القبر لأن المقصود ذكر الأجناس الثلاثة الإنشاء والإماتة والإعادة في القبر من جنس الإعادة ومعنى (تُبْعَثُونَ)
__________________
(١) سورة هود : ١٢ / ١١.