سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) (١) فمن أنشأ هذه الحواس وأنشئت هي له وأحيا وأمات وتصرف في اختلاف الليل والنهار هو قادر على البعث. وخص هذه الأعضاء بالذكر لأنه يتعلق بها منافع الدين والدنيا من أعمال السمع والبصر في آيات الله والاستدلال بفكر القلب على وحدانية الله وصفاته ، ولما كان خلقها من أتم النعم على العبد قال (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) أي تشكرون قليلا و (ما) زائدة للتأكيد. ومن شكر النعمة الإقرار بالمنعم بها ونفي الند والشريك له.
و (ذَرَأَكُمْ) خلقكم وبثكم فيها. (وَإِلَيْهِ) أي وإلى حكمه وقضائه وجزائه (تُحْشَرُونَ) يريد البعث والجمع في الآخرة بعد التفرق في الدنيا والاضمحلال. (وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي. هو مختص به ومتوليه وله القدرة التي ذلك الاختلاف عنها. والاختلاف هنا التعاقب أي يخلف هذا هذا. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) من هذه تصرفات قدرته وآثار قهره فتوحدونه وتنفون عنه الشركاء والأنداد ، إذ هم ليسوا بقادرين على شيء من ذلك. وقرأ أبو عمرو في رواية : يعقلون بياء الغيبة على الالتفات.
(بَلْ قالُوا بَلْ) إضراب أي ليس لهم عقل ولا نظر في هذه الآيات (بَلْ قالُوا) والضمير لأهل مكة ومن جرى مجراهم في إنكار البعث مثل ما قال آباؤهم عاد وثمود ومن يرجعون إليهم من الكفار. ولما اتخذوا من دون الله تعالى آلهة ونسبوا إليه الولد نبههم على فرط جهلهم بكونهم يقرون بأنه تعالى له الأرض ومن فيها ملك وأنه رب العالم العلوي وأنه مالك كل شيء وهم مع ذلك ينسبون له الولد ويتخذون له شركاء.
وقرأ عبد الله والحسن والجحدري ونصر بن عاصم وابن وثاب وأبو الأشهب وأبو عمرو من السبعة سيقولون الله الثاني والثالث بلفظ الجلالة مرفوعا وكذا هو في مصاحف أهل الحرمين والكوفة والشام. وقرأ باقي السبعة (لِلَّهِ) فيها بلام الجر فالقراءة الأولى فيها المطابقة لفظا ومعنى ، والثانية جاءت على المعنى لأن قولك : من رب هذا؟ ولمن هذا؟ في معنى واحد ، ولم يختلف في الأول أنه باللام. وقرأ ابن محيصن (الْعَظِيمِ) برفع الميم نعتا للرب ، وتقول أجرت فلانا على فلان إذا منعته منه أي وهو يمنع من يشاء ممن يشاء ولا يمنع أحد منه أحدا. ولا تعارض بين قوله (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لا ينفي عنهم وبين ما حكي عنهم من قولهم. (فَسَيَقُولُونَ اللهُ) لأن قوله (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لا ينفي
__________________
(١) سورة الأحقاف : ٤٦ / ٢٦.