القاصف الذي يكسر كل ما يلقى ، ويقال قصف الشجر يقصفه قصفا كسره. وقال أبو تمام :
إن الرياح إذا ما أعصفت قصفت |
|
عيدان نجد ولا يعبأن بالرتم |
وقيل : القاصف الريح التي لها قصيف وهو الصوت الشديد كأنها تتقصف أي تتكسر.
(قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً).
قال الزمخشري : لما قالوا (أَإِذا كُنَّا عِظاماً) (١) قيل لهم (كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) فردّ قوله (كُونُوا) على قولهم (كُنَّا) كأنه قيل (كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) ولا تكونوا عظاما فإنه يقدر على إحيائكم. والمعنى أنكم تستبعدون أن يجدد الله خلقكم ويرده إلى حال الحياة وإلى رطوبة الحي وغضاضته بعد ما كنتم عظاما يابسة ، مع أن العظام بعض أجزاء الحي بل هي عمود خلقه الذي يبنى عليه سائره ، فليس ببدع أن يردها الله بقدرته إلى حالتها الأولى ، ولكن لو كنتم أبعد شيء من الحياة ورطوبة الحي ومن جنس ما ركب به البشر ، وهو أن تكونوا (حِجارَةً) يابسة (أَوْ حَدِيداً) مع أن طباعها القساوة والصلابة لكان قادرا على أن يردكم إلى حال الحياة (أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ) عندكم عن قبول الحياة ، ويعظم في زعمكم على الخالق إحياؤه فإنه يحييه.
وقال ابن عطية : كونوا إن استطعتم هذه الأشياء الصعبة الممتنعة التأتي لا بد من بعثكم. وقوله (كُونُوا) هو الذي يسميه المتكلمون التعجيز من أنواع أفعل ، وبهذه الآية مثل بعضهم وفي هذا عندي نظر وإنما التعجيز حيث يقتضي بالأمر فعل ما لا يقدر عليه المخاطب كقوله تعالى : (فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ) (٢) ونحوه. وأما هذه الآية فمعناها كونوا بالتوهم والتقدير كذا وكذا (الَّذِي فَطَرَكُمْ) كذلك هو يعيدكم انتهى. وقال مجاهد : المعنى (كُونُوا) ما شئتم فستعادون. وقال النحاس : هذا قول حسن لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا حجارة وإنما المعنى أنهم قد أقروا بخالقهم وأنكروا البعث فقيل لهم استشعروا أن تكونوا ما شئتم ، فلو كنتم (حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) لبعثتم كما خلقتم أول مرة انتهى.
(أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) صلابته وزيادته على قوة الحديد وصلابته ، ولم
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٤٩ ـ ٩٨.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٦٨.