بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً).
سبب نزول (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم لقريش الإسراء به وتكذيبهم له ، فأنزل الله ذلك تصديقا له ، وهذه السورة مكية قال صاحب الغنيان بإجماع وقيل : إلا آيتين (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ) وقيل : إلا أربع هاتان وقوله : (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) وقوله (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) ، وزاد مقاتل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) الآية وقال قتادة إلا ثماني آيات أنزلت بالمدينة وهي من قوله : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) إلى آخرهن. ومناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها أنه تعالى لما أمره بالصبر ونهاه عن الحزن عليهم وأن يضيق صدره من مكرهم ، وكان من مكرهم نسبته إلى الكذب والسحر والسعر وغير ذلك مما رموه به ، أعقب تعالى ذلك بذكر شرفه وفضله واحتفائه به وعلو منزلته عنده ، وتقدّم الكلام على سبحان في البقرة. وزعم الزمخشري أنه علم للتسبيح كعثمان للرجل. وقال ابن عطية : ولم ينصرف لأن في آخره زائدتين وهو معرفة بالعلمية وإضافته لا تزيده تعريفا انتهى. ويعنيان والله أعلم أنه إذا لم يضف كقوله :
سبحان من علقمة الفاخر
وأما إذا أضيف فلو فرضنا أنه علم لنوي تنكيره ثم يضاف وصار إذ ذاك تعريفه بالإضافة لا بالعلمية.
(أَسْرى) بمعنى سرى وليست الهمزة فيه للتعدية وعدّيا بالباء ولا يلزم من تعديته بالباء المشاركة في الفعل ، بل المعنى جعله يسري لأن السرى يدل على الانتقال كمشى وجرى وهو مستحيل على الله تعالى ، فهو كقوله : (لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ) (١) أي لأذهب سمعهم ، فأسرى وسرى على هذا كسقى وأسقى إذا كانا بمعنى واحد ، ولذلك قال المفسرون معناه سرى بعبده. وقال ابن عطية : ويظهر أن (أَسْرى) معداة بالهمزة إلى مفعول محذوف تقديره أسرى الملائكة بعبده لأنه يقلق أن يسند أسرى وهو بمعنى سرى إلى الله تعالى إذ هو فعل يعطي النقلة كمشى وجرى وأحضر وانتقل ، فلا يحسن إسناد شيء من هذا ونحن نجد مندوحة فإذا صرحت الشريعة بشيء من هذا النحو كقوله في الحديث :
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٠.