وتكون الجملة الابتدائية في موضع نصب على إسقاط حرف الجر لأن حرص يتعدى بعلى ، كقوله (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ) (١).
وقال ابن عطية : و (أَيُّهُمْ) ابتدأ و (أَقْرَبُ) خبره ، والتقدير نظرهم وددكهم (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) وهذا كما قال عمر بن الخطاب رضياللهعنه : فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها ، أي يتبارون في طلب القرب. فجعل المحذوف نظرهم وودكهم وهذا مبتدأ فإن جعلت (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) في موضع نصب بنظرهم المحذوف بقي المبتدأ الذي هو نظرهم بغير خبر محتاج إلى إضمار الخبر ، وإن جعلت (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) هو الخبر فلا يصح لأن نظرهم ليس هو (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) وإن جعلت التقدير نظرهم في (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) أي كائن أو حاصل فلا يصح ذلك لأن كائنا وحاصلا ليس مما تعلق.
وقال أبو البقاء : (أَيُّهُمْ) مبتدأ و (أَقْرَبُ) خبره ، وهو استفهام في موضع نصب بيدعون ، ويجوز أن يكون (أَيُّهُمْ) بمعنى الذي وهو بدل من الضمير في (يَدْعُونَ) والتقدير الذي هو أقرب انتهى. ففي الوجه الأولى علق (يَدْعُونَ) وهو ليس فعلا قلبيا ، وفي الثاني فصل بين الصلة ومعمولها بالجملة الحالية ، ولا يضر ذلك لأنها معمولة للصلة (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) كغيرهم من عباد الله ، فكيف يزعمون أنهم آلهة (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) يحذره كل أحد.
و (إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِنْ) نافية و (مِنْ) زائدة في المبتدأ تدل على استغراق الجنس ، والجملة بعد (إِلَّا) خبر المبتدأ. وقيل : المراد الخصوص والتقدير وإن من قرية ظالمة. وقال ابن عطية : ومن لبيان الجنس انتهى. والتي لبيان الجنس على قول من يثبت لها هذا المعنى هو أن يتقدم قبل ذلك ما يفهم منه إبهام ما فتأتي (مِنْ) لبيان ما أريد بذلك الذي فيه إبهام ما. كقوله (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) (٢) وهنا لم يتقدم شيء مبهم تكون من فيه بيانا له ، ولعل قوله لبيان الجنس من الناسخ ويكون هو قد قال لاستغراق الجنس ألا ترى أنه قال بعد ذلك. وقيل : المراد الخصوص انتهى.
والظاهر أن جميع القرى تهلك قبل يوم القيامة وإهلاكها تخريبها وفناؤها ، ويتضمن تخريبها هلاك أهلها بالاستئصال أو شيئا فشيئا أو تعذب والمعنى أهلها بالقتل وأنواع العذاب. وقيل : الهلاك للصالحة والعذاب للطالحة. وقال مقاتل : وجدت في كتب
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ٣٧.
(٢) سورة فاطر : ٣٥ / ٢.