الفجر قرآنا وهي القراءة لأنها ركن كما سميت ركوعا وسجودا وقنوتا وهي حجة عليّ بن أبي علية. والأصم في زعمهما أن القراءة ليست بركن انتهى. وقيل : إذا فسرنا الدلوك بزوال الشمس كان الوقت مشتركا بين الظهر والعصر إذا غييت الإقامة بغسق الليل ، ويكون الغسق وقتا مشتركا بين المغرب والعشاء ، ويكون المذكور ثلاثة أوقات : أول وقت الزوال ، وأول وقت المغرب ، وأول وقت الفجر انتهى ، والذي يدل عليه ظاهر اللفظ أنه أمر بإقامة الصلاة إما من أول الزوال إلى الغسق ، وبقرآن الفجر ، وإما من الغروب إلى الغسق وبقرآن الفجر ، فيكون المأمور به الصلاة في وقتين ولا تؤخذ أوقات الصلوات الخمس من هذا اللفظ بوجه.
وقال أبو عبد الله الرازي في قوله (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) دلالة على أن الصلاة لا تتم إلّا بالقراءة لأن الأمر على الوجوب ، ولا قراءة في ذلك الوقت واجبة إلا في الصلاة ومن قال معنى (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) صلاة الفجر غلط لأنه صرف الكلام عن حقيقته إلى المجاز بغير دليل ، ولأن في نسق التلاوة (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) ويستحيل التهجد بصلاة الفجر ليلا. والهاء في (بِهِ) كناية عن (قُرْآنَ الْفَجْرِ) المذكور قبله ، فثبت أن المراد حقيقة القرآن لا مكان التهجد بالقرآن المقروء في صلاة الفجر واستحالة التهجد في الليل بصلاة الفجر ، وعلى أنه لو صح أن يكون المراد ما ذكروا لكانت دلالته قائمة على وجوب القراءة في الصلاة لأنه لم تجعل القراءة عبارة عن الصلاة إلا وهي من أركانها انتهى. وفيه بعض تلخيص والظاهر ندبية إيقاع صلاة الصبح في أول الوقت لأنه مأمور بإيقاع قرآن الفجر ، فكان يقتضي الوجوب أول طلوع الفجر ، لكن الإجماع منع من ذلك فبقي الندب لوجود المطلوبية ، فإذا انتفى وجوبها بقي ندبها وأعاد (قُرْآنَ الْفَجْرِ) في قوله (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ) ولم يأت مضمرا فيكون أنه على سبيل التعظيم والتنويه بقرآن الفجر ومعنى (مَشْهُوداً) تشهده الملائكة حفظة الليل وحفظة النهار كما جاء في الحديث : «إنهم يتعاقبون ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر». وهذا قول الجمهور. وقيل يشهده الكثير من المصلين في العادة. وقيل : من حقه أن تشهده الجماعة الكثيرة. قال الزمخشري : ويجوز أن يكون (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) حثا على طول القراءة في صلاة الفجر لكونها مكثورا عليها ليسمع الناس القرآن فيكثر الثواب ، ولذلك كانت الفجر أطول الصلوات قراءة انتهى. ويعني بقوله حثا أن يكون التقدير وعليك (قُرْآنَ الْفَجْرِ) أو والزم.
وقال محمد بن سهل بن عسكر : (مَشْهُوداً) يشهده الله وملائكته ، وذكر حديث أبي