عندهم فى بطلان التّسلسل التّرتّب والاجتماع فى الوجود أيضا ، فلهذا قالوا بقدم تناهى الحركات الفلكيّة ، والحوادث اليوميّة ، والنفوس النّاطقة.
وقد أورد على الفريقين انّ الدّليل جار فى مراتب الأعداد ، فيلزم تناهيها مع انّها غير متناهيّة اتّفاقا وبديهة. وأجيب عنه بأنّ التطبيق انّما يجرى فيما دخل تحت الوجود دون ما هو وهمىّ محض ، فإنّه ينقطع بانقطاع التّوهّم. وحاصله أنّ التّطبيق فرع الوجود ولو ذهنا ، وليس الموجود من الأعداد إلّا قدرا متناهيا. وما يقال من أنّها غير متناهية معناه أنّها لا تنتهى إلى حدّ لا يكون فوقه آخر فلا اشكال. وكذا الكلام فى معلومات الله تعالى ومقدوراته سؤالا وجوابا. وردّ بأنّ مراتب العدد وان لم تكن بتفاصيلها موجودة فى الأذهان القاصرة ، لكنّها موجودة بتفاصيلها فى المبادى العالية ، وإلّا يلزم النّقص فى الواجب ، والحالة المنتظرة فى كلّها ، وكلاهما محال عندهم. وأيضا انّ كلّ واحدة من تلك المراتب متّصفة بصفة ثبوتيّة فى نفس الأمر مثل كونها فوق ما بعدها وتحت ما فوقها ، فلا بدّ أن تكون موجودة فى نفس الأمر ، ضرورة انّ ثبوت شيء لشيء فى نفس الأمر يستلزم ثبوت المثبت له فيها ، ولا خفاء فى انّ التّطبيق على الوجه المذكور لا يتوقّف على الوجود فى الخارج ، بل يكفى فيه الوجود فى نفس الأمر سواء كان فى الخارج أو فى الذّهن. اللهم الا ان يقال انّ اكثر المتكلّمين لا يقولون بالوجود الذّهنى.
أقول : فيه نظر ، أما أوّلا فلانّا لا نسلّم انّه لو لم يكن علم المبادى العالية محيطا بجميع مراتب العدد تفصيلا يلزم النّقص فى الواجب والحالة المنتظرة فى المبادى العالية لجواز أن يكون الإحاطة بجميعها تفصيلا ممتنعا وحينئذ لا يلزم النّقص فى الواجب ، ولا الحالة المنتظرة فى تلك المبادى. ويؤيّد ذلك ما قيل انّ معنى عدم تناهى معلومات الله تعالى انّها لا تنتهى إلى حدّ لا يتصوّر فوقه آخر ، لا بمعنى انّ ما لا نهاية له داخل تحت علم الشّامل على انّ استلزام علم المبادى العالية للوجود الذهنى ممنوع.
وأمّا ثانيا فلانّ اتصاف جميع مراتب العدد بالصّفات الثّبوتيّة غير بيّن ولا مبيّن. ولو سلّم فيكفى فى ذلك كونها موجودة فى الذّهن إجمالا ، لانّ ثبوت شيء لشيء فى نفس