وقال : من كانت له اذن سامعة الخ ، وهذا من بليغ التأكيد ، وقد تحقّق أنّ هذه الكنائس السبع قد زالت بعد ظهوره وناهيك به من تنبؤ الصادق ومن بالحقّ ناطق.
والثاني : قوله واكتب إلى ملك كنيسة سيمرنا الخ ، وهي بلد في عرض ثمان وثلاثين وخمس وثلاثين وطول خمس وأربعين من الطول الجديد. قوله هذا ما يقول الأوّل والآخر أي الذي مات وحيي. احتجّ النصارى بذلك على ربوبية المسيح وقالوا : إنّ قوله : الأوّل والآخر ، يدلّ على ربوبيته ؛ إذ هما من صفات الواجب تعالى ، مع أنّ في قوله : مات وحيي ، إضافة الموت والحياة إلى نفسه ظاهرة.
والحقّ أنّه يجيز النهوض لأنّه إن كان المراد بالأوّل القديم وبالآخر الحادث ، فلا يجتمعان لأنّهما متباينان ؛ لأنّ القديم إن كان بالذات فهو ما لا يكون وجدانه من غيره كواجب الوجود تعالى اسمه ، وعيسى ابن مريم قد تولّد في أيّام هيروديس من أمّة مريم فليس بقديم الذات ، وإن كان بالزمان فالقديم بالزمان ما لا أوّل لزمانه كالأفلاك العلوية ، وعيسى متأخّر بالزمان فليس بقديم الزمان. وأمّا إن اريد به المقدّم بالرتبة في أنّه عليهالسلام أقرب لمبدئه من ملك كنيسة سيمرنا وأنا أثق به وعليه جميع أهل التحقيق ، لكن أرادوا بالآخر المتأخّر بالرتبة فمن المحال أن يجتمع المتقدّم بالرتبة والمتأخّر فيها في شخص واحد. وإن أرادوا بهما الأوّل والآخر اللذين هما من صفات الواجب تعالى فينقضهما قوله : الذي مات وحيي ، لأنّ الموت من أمارات الحدث. ومن المعلوم أنّ الوجوب مباين للحدث. وأمّا إضافة الموت والحياة لنفسه فمحمول على العرف العام إذ لم يرو أحد من أهل لغة قتل الله أو موّت الله فلانا ، بل المطّرد عندهم مات وحيي ، فتمسّكه بهذا الدليل ليس إلّا كتمسّك الضرير الساقط في البئر بحدّ السيف الطرير.
قوله إنّي قد عرفت عملك ، إلى قوله : فاصبر وأنا أعطيك إكليل الحياة ، إشارة إلى وفور الشبهات التي عرضت عليهم في سنيّ الفترة ، عبّر فيها باليوم عن خمسين سنة لتصير المدّة بالنظر إلى حدوث الإنسان. وقوله إنّ يوما عند ربّك كألف سنة الخ بالنظر إلى قدم الواجب ، فالذي يصبر فيها ولا ينحرف إلى عبادة الأوثان اعطيه إكليل الحياة ، وبديهي أن غاية الصبر لا تكون إلّا بلوغ المأمول وهو إكليل الحياة الذي كنّى به عن محمّد صلىاللهعليهوآله.
قوله اذن الخ ، حثّ على الإصغاء لأنّ الذي يأتي بعده هو غاية الكلام. قوله : المظفر لا