قيام القائم أربعمائة سنة حتّى إذا بشّروا بولادته ورأوا علامات ظهوره واشتدّت البلوى عليهم وحمل عليهم بالحجارة والخشب ، وطلب الفقيه الذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر ، فراسلوه وقالوا : كنّا مع الشدّة نستريح إلى حديثك ، فخرج بهم إلى بعض الصحاري وجعل يحدّثهم حديث القائم ونعته وقرب الأمر وكانت له فترة ، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم موسى ، وكان في ذلك الوقت حدث السنّ ، وخرج من عند فرعون يظهر النزهة فعدل عن موكبه وأقبل إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خزّ ، فلمّا رآه الفقيه عرفه بالنعت فقام إليه وأكبّ على قدمه ثمّ قال : الحمد لله الذي لم يمتني حتّى رأيتك ، فلمّا رأى الشيعة ذلك علموا أنّه صاحبهم فأكبّوا على الأرض شكرا لله عزوجل ، فلم يزدهم على أن قال : أرجو أن يعجّل الله فرجكم ، ثمّ غاب بعد ذلك وخرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب ما أقام ، فكانت الغيبة الثانية أشدّ من الأولى ، وكانت نيفا وخمسين سنة ، اشتدّت البلوى عليهم واستتر الفقيه ، فبعثوا إليه بأنّه لا صبر لنا على استتارك عنّا ، فخرج إلى بعض الصحاري واستدعاهم وطيّب نفوسهم وأعلمهم أنّ الله عزوجل أوحى إليه أنّه مفرّج عنهم بعد أربعين سنة ، فقالوا بأجمعهم : الحمد لله. فأوحى الله عزوجل إليه : قل لهم قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم الحمد لله.
فقالوا : كلّ نعمة من الله ، فأوحى الله : قد جعلتها عشرين سنة. فقالوا : لا يأتي بالخير إلّا الله ، فأوحى الله عزوجل إليه : قل لهم لا يرجعوا ، فقد أذنت في فرجهم ، فبينما هم كذلك إذ طلع موسى راكبا حمارا فأراد الفقيه أن يعرف الشيعة ما يستبصرون به فيه ، وجاء موسى حتّى وقف عليهم فسلّم فقال الفقيه : ما اسمك؟ قال : موسى ، فقال : ابن من؟ فقال : ابن عمران. قال : ابن من؟ قال : ابن قاهب بن لاوي بن يعقوب. قال : بما ذا جئت؟ قال : بالرسالة من عند الله عزوجل. فقام إليه فقبّل يده ثمّ جلس بينهم وطيّب نفوسهم ثمّ أمرهم ثمّ فرّقهم ، وكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم لغرق فرعون لعنه الله أربعون سنة (١).
السادس : غيبة أوصياء موسى : أوّلهم يوشع بن نون فإنّه قام بالأمر بعد موته صابرا من طواغيت زمانه على الجهد والبلاء حتّى مضى منه ثلاث طواغيت فقوي بعدهم أمره ،
__________________
(١) كمال الدين : ١٤٥.