فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى بصفراء بنت شعيب امرأة موسى في مائة ألف رجل فقاتلوا يوشع بن نون فغلبهم ، وقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم الباقين بإذن الله تعالى ، وأسر صفراء بنت شعيب ثمّ قال لها : قد عفوت عنك في الدنيا إلى أن تلقي نبي الله موسى فأشكو ما لقيت منك ومن قومك. فقالت صفراء : وا ويلاه والله لو ابيحت لي الجنّة لاستحييت أن أرى فيها رسول الله وقد هتك حجابه علي وخرجت على وصيّه بعده (١).
واعلم أنّه قد وقع مثل هذا في هذه الامّة حذو النعل بالنعل ، فإنّ وصي نبي هذه الامّة إنّما استقلّ بالأمر بعد مضي الثلاثة ، ولمّا استقل خرجت عليه اخت صفيراء ـ وهي حميراء ـ أخرجها المنافقان إلى أن أسرها علي عليهالسلام في حرب البصرة ، ولكن الفرق بين الامرأتين أنّ الاولى ندمت على ما فعلته والثانية لم تندم.
ثمّ إنّ الأئمّة قد استتروا بعد يوشع إلى زمان داود أربعمائة سنة وكانوا أحد عشر ، فكان قوم كلّ واحد منهم يختلفون إليهم ويأخذون معالم دينهم حتّى انتهى الأمر إلى آخرهم ، فغاب عنهم ثمّ ظهر وبشّرهم بداود وأخبرهم أنّ داود هو الذي يأخذ الملك من جالوت وجنوده ، ويكون فرجهم في ظهوره وكانوا ينتظرونه ، فلمّا كان زمان داود كان له أربعة اخوة ، وكان لهم أب شيخ كبير ، وكان داود من بينهم خامل الذكر وهو أصغرهم ، فخرجوا إلى قتال جالوت وخلفوا داود يرعى الغنم تحقيرا لشأنه فلمّا اشتدّت الحرب وأصاب الناس جهد رجع أبوه وقال لداود عليهالسلام : احمل إلى إخوتك طعاما ، فخرج داود والقوم متقاربون فمرّ داود على حجر فناداه : يا داود خذني واقتل بي جالوت فإنّي خلقت لقتله ، فأخذه ووضعه في مخلاته التي كانت فيها حجارته التي يرعى بها غنمه ، فلمّا دخل العسكر رآهم يعظمون أمر جالوت فقال : تعظمون من أمره فو الله لئن أتيته لأقتلنّه ، فأدخلوه على طالوت فقال له : يا بني ما عندك من القوّة؟ قال : قد كان الأسد يعدو على الشاة من غنمي فأدركه وأفكّ لحييه عن الشاة واخلّصها من فيه ، وكان أوحى الله إلى طالوت أنّه لا يقتل جالوت إلّا من لبس درعك فملأها ، فدعا بدرعه فلبسها داود فاستوى عليه فراع ذلك طالوت ومن حضره من بني إسرائيل ، فلمّا أصبحوا والتقى الناس قال داود عليهالسلام : أروني جالوت ، فلمّا رآه أخذ الحجر
__________________
(١) راجع كمال الدين : ٢٦.