وقيل : الجفار موضع بنجد وله ذكر كثير في أخبارهم وأشعارهم ، ويوم الجفار من أيام العرب معلوم بين بكر بن وائل وتميم بن مرّ ، أسر فيه عقال بن محمد ابن سفيان بن مجاشع ، أسره قتادة بن مسلمة ؛ قال شاعرهم:
أسر المجشّر وابنه وحويرثا |
|
والنهشليّ ومالكا وعقالا |
وقال الأعشى :
وإن أخاك الذي تعلمين |
|
ليالينا ، إذ نحلّ الجفارا |
تبدّل ، بعد الصبا ، حلمه |
|
وقنّعه الشيب منه خمارا |
والجفار أيضا : من مياه الضباب قبلي ضريّة على ثلاث ليال ، وهو من أرض الحجاز ، وماء هذا الجفار أشبه بماء سماء يخرج من عيون تحت هضبة ، وكأنه وشل وليس بوشل ؛ وفيه يقول بعض بني الضباب :
كفى حزنا أني نظرت ، وأهلنا |
|
بهضبي شماخير الطوال حلول ، |
إلى ضوء نار بالحديق يشبّها ، |
|
مع الليل ، سمح الساعدين طويل |
على لحم ناب عضه السيف عضة ، |
|
فخرّ على اللحيين ، وهو كليل |
أقول ، وقد أيقنت أن لست فاعلا : |
|
ألا هل إلى ماء الجفار سبيل |
وقد صدر الورّاد عنه ، وقد طما |
|
بأشهب يشفي لو كرهت غليلي |
(١) والجفار أيضا : أرض من مسيرة سبعة أيام بين فلسطين ومصر ، أولها رفح من جهة الشام وآخرها الخشبي متصلة برمال تيه بني إسرائيل ، وهي كلّها رمال سائلة بيض ، في غربيّها منعطف نحو الشمال بحر الشام ، وفي شرقيها منعطف نحو الجنوب بحر القلزم ، وسمّيت الجفار لكثرة الجفار بأرضها ، ولا شرب لسكانها إلا منها ، رأيتها مرارا ، ويزعمون أنها كانت كورة جليلة في أيام الفراعنة إلى المائة الرابعة من الهجرة ، فيها قرى ومزارع ، فأما الآن ففيها نخل كثير ورطب طيب جيد ، وهو ملك لقوم متفرقين في قرى مصر يأتونه أيام لقاحه فيلقحونه وأيام إدراكه فيجتنونه ، وينزلون بينه بأهاليهم في بيوت من سعف النخل والحلفاء ، وفي الجادة السابلة إلى مصر عدّة مواضع عامرة يسكنها قوم من السوقة للمعيشة على القوافل ، وهي رفح والقس والزّعقا والعريش والورّادة وقطية ، في كل موضع من هذه المواضع عدّة دكاكين يشترى منها كل ما يحتاج المسافر إليه ؛ قال أبو الحسن المهلبي في كتابه الذي ألّفه للعزيز ، وكان موته في سنة ٣٨٦ : وأعيان مدن الجفار العريش ورفح والورّادة ، والنخل في جميع الجفار كثير وكذلك الكروم وشجر الرمان ، وأهلها بادية محتضرون ، ولجميعهم في ظواهر مدنهم أجنّة وأملاك وأخصاص فيها كثير منهم ، ويزرعون في الرمل زرعا ضعيفا يؤدون فيه العشر ، وكذلك يؤخذ من ثمارهم ، ويقطع في وقت من السنة إلى بلدهم من بحر الروم طير من السلوى يسمونه المرع يصيدون منه ما شاء الله ، يأكلونه طريّا ويقتنونه مملوحا ، ويقطع أيضا إليهم من بلد الروم على البحر في وقت من السنة جارح كثير فيصيدونه ، منه الشواهين والصقور والبواشق ، وقلّ ما يقدرون على البازي ، وليس لصقورهم وشواهينهم من الفراهة ما لبواشقهم ؛ وليس يحتاجون لكثرة أجنتهم إلى الحرّاس ، لأنه لا يقدر
__________________
(١) في هذا البيت اقواء.