الغربة ، وهو قرب دجلة جدّا ، ثم باب سوق التمر ، وهو باب شاهق البناء أغلق في أول أيام الناصر لدين الله بن المستضيء واستمر غلقه إلى هذه الغاية ، ثم باب البدريّة ثم باب النوبي ، وعنده باب العتبة التي تقبّلها الرّسل والملوك إذا قدموا بغداد ، ثم باب العامّة ، وهو باب عمّورية أيضا ، ثم يمتد قرابة ميل ليس فيه باب إلا باب بستان قرب المنظرة التي تنحر تحتها الضحايا ، ثم باب المراتب بينه وبين دجلة نحو غلوتي سهم في شرقي الحريم ، وجميع ما يشتمل عليه هذا السور من دور العامّة ومحالّها وجامع القصر ، وهو الذي تقام فيه الجمعة ببغداد يسمى الحريم ، وبين هذا الحريم المشتمل على منازل الرعية وخاص دار الخلافة الذي لا يشركه فيه أحد سور آخر يشتمل على دور الخلافة وبساتين ومنازل نحو مدينة كبيرة ، وقرأت في كتاب بغداد تصنيف هلال بن المحسن الصابي : حدثني خواشاذه خازن عضد الدولة قال : طفت دار الخلافة عامرها وخرابها وحريمها وما يجاورها ويتاخمها فكان مثل شيراز ، قال : وسمعت هذا القول من جماعة آخرين أولي خبرة.
الحريمُ الطّاهريُّ : بأعلى مدينة السلام بغداد في الجانب الغربي ، منسوب إلى طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق ، وبه كانت منازلهم ، وكان من لجأ إليه أمن ، فلذلك سمّي الحريم ، وكان أول من جعلها حريما عبد الله بن طاهر بن حسين ، وكان عظيما في دولة بني العباس ، ولا أعلم أحدا بلغ مبلغه فيها حديثا ولا قديما ، وكان أديبا شاعرا شجاعا جوادا ممدّحا ، وكانت إليه الشرطة ببغداد وهي أجلّ ما يلي يومئذ ، وكان يلي خراسان وبها نوّابه والجبال وبها نوّابه وطبرستان وبها نوّابه والشام ومصر وبها نوّابه ، ولما أراد عمارة قصره ببغداد وهو الحريم هذا ، وقد كانت العمارات متصلة وهو في وسطها ، وأما الآن فقد خرب جميع ما حوله وبقي كالبلدة المفردة في وسط الخراب ، وهو عامر ، فيه دور وقصر مطلّ متصل به شارع دار الرفيق ، وبعضه عامر ، وفيه أسواق ، وله سور بحيزه ، بصر برجل يستغيث وبيده قصة ، فأمر من أخذها منه ، فقرأها فإذا فيها أن وكيله أخذ داره غصبا وهدمها وأدخلها في قصره ، فأحضر الوكيل وسأله عن القصة فقال : إن تربيع القصر لا يتم إلا بها وقيمتها ثلاثمائة دينار فبذلتها له فامتنع فبلغنا ألف دينار ، فأخبرت قاضي المسلمين خبره فرأى الحجر عليه ونصب أمينا فباع الدار وقبضناه المال ، وهو عنده ، فقال عبد الله : أتعرف موضع الدار؟ قال : نعم ، فإذا هي قد وقعت في شمالي حجرة ، فأمر عبد الله بهدم البنيان ، فلما رأى صاحبها الجدّ منه في الهدم قال : لا حاجة لي في ذلك وقد أذنت في البيع ، فقال : هيهات بعد الشكوى والمطالبة! ولم يزل جالسا والشمس تبلغ إليه وينفتل عنها وينفض التراب عن وجهه وموكبه واقف حتى كشف عن العرصة وجرّد الأساس القديم وأمر بردّ بناء الدار وتأديب الوكيل واستحل الرجل بماله وبقيت الدار طاعنة في داره إلى الآن ترى بروزها من البناء ، ثم رأى يوما دخانا مرتفعا كريه الرائحة فتأذّى به فسأل عنه فقيل له : إن الجيران يخبزون بالبعر والسّرجين ، فقال : إن هذا لمن اللّؤم أن نقيم بمكان يتكلف الجيران شراء الخبز ومعاناته ، اقصدوا الدور واكسروا التنانير واحصوا جميع من بها من رجل وامرأة وصبيّ وأجروا على كل واحد منهم خبزه وجميع ما يحتاج إليه ، فسمّيت أيامه الكفاية. والحريم أيضا : موضع بالحجاز كانت به وقعة بين كنانة وخزاعة. والحريم