البرّيّة بينها وبين الموصل والفرات ، وهي مبنية بالحجارة المهندمة بيوتها وسقوفها وأبوابها ، ويقال كان فيها ستون برجا كبارا ، وبين البرج والبرج تسعة أبراج صغار ، بإزاء كل برج قصر وإلى جانبه حمام ، ومر بها نهر الثرثار ، وكان نهرا عظيما عليه قرى وجنان ، ومادته من الهرماس نهر نصيبين ، ونصب فيه أودية كثيرة ، ويقال إن السفن كانت تجري فيه ، فأما في هذا الزمان فلم يبق من الحضر إلا رسم السور وآثار تدل على عظم وجلالة ، وأخبرني بعض أهل تكريت أنه خرج يتصيد فانتهى إليه فرأى فيه آثارا وصورا في بقايا حيطان ، وكان يقال لملك الحضر الساطرون ، وفيه يقول عديّ بن زيد :
وأرى الموت قد تدلى من الحض |
|
ر على رب ملكه الساطرون |
وقال الشرقي بن القطامي : لما افترقت قضاعة سارت فرقة منهم إلى أرض الجزيرة وعليهم ملك يقال له الضيزن بن جلهمة أحد الأحلاف ، وقال غيره : الضّيزن بن معاوية بن عبيد بن الاحرام بن عمرو بن النخع بن سليح بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ، وكان فيما زعموا ملك الجزيرة كلها إلى الشام ، فنزل مدينة الحضر ، وكانت قد بنيت وتطلسمت أن لا يقدر على فتحها ولا هدمها إلا بدم حمامة ورقاء مع دم حيض امرأة زرقاء ، فأقام فيه الضيزن مدة ملكا يغير على بلاد الفرس وما يقرب منها ، وكان يخرج كل امرأة زرقاء عارك من المدينة ، والعارك : الحائض ، إلى موضع قد جعله لذلك في بعض جوانبها خوفا مما ذكرناه ، ثم إنه أغار على السواد فأخذ ماه أخت سابور الجنود بن أردشير الجامع وليس بذي الأكتاف ، لأن سابور ذا الأكتاف هو سابور بن هرمز بن نرسي ابن بهرام بن بهرام بن بهرام بن هرمز بن سابور البطل ، وهو سابور الجنود صاحب هذه القصة ، وإنما ذكرت ذلك لأن بعضهم يغلط ويروي أنه ذو الأكتاف ، فقال الجديّ بن الدّلهاث بن عشم بن حلوان القضاعي في وقعة أوقعها الضيزن بشهرزور :
دلفنا للأعادي ، من بعيد ، |
|
بجيش ذي التهاب كالسعير |
فلاقت فارس منا نكالا ، |
|
وقتّلنا هرابذ شهرزور |
لقيناهم بخيل من علاف ، |
|
وبالدّهم الصلادمة الذكور |
علاف اسمه ربان بن حلوان بن الحاف بن قضاعة ، وإليه تنسب الخيل العلافية ، فلما انتهى ضيغم بسابور الجنود قصد الحضر غيظا على صاحبه لاستجرائه على أسر أخته ، فنزل عليه بجنوده سنتين لا يظفر بشيء منه حتى عركت النضيرة بنت الضيزن ، أي حاضت ، فأخرجها أبوها إلى الموضع الذي جعل لذلك كما ذكرنا وكان إلى جنب السور ، وكان سابور قد همّ بالرحيل فنظرت ذات يوم إليه ونظر إليها فعشق كل واحد منهما صاحبه ، فوجهت إليه تخبره بحالها ثم قالت : ما لي عندك إن دللتك على فتح هذه المدينة؟ فقال : أجعلك فوق نسائي وأتخذك لنفسي ، قالت : فاعمد إلى حيض امرأة زرقاء واخلط به دم حمامة ورقاء واكتب به واشدده في عنق ورشان فأرسله فإنه يقع على السور فيتداعى ويتهدم ، ففعل ذلك فكان كما قالت ، فدخل المدينة وقتل من قضاعة نحو مائة ألف رجل وأفنى قبائل كثيرة بادت إلى يومنا هذا ، وفي ذلك يقول الجديّ بن الدّلهاث :
ألم يحزنك ، والأنباء تنمي ، |
|
بما لاقت سراة بني العبيد |