فخرجت القلوص تعدو إلى ألّافها ، فجعل حارثة يقول :
يمنعها شيخ بخدّيه الشيب |
|
ملمّع كما يلمّع الثوب |
ماض على الرّيب إذا كان الريب |
فنهض زياد وصاح بأصحابه المسلمين ودعاهم إلى نصرة الله وكتابه ، فانحازت طائفة من المسلمين إلى زياد وجعل من ارتدّ ينحاز إلى حارثة ، فجعل حارثة يقول :
أطعنا رسول الله ما دام بيننا ، |
|
فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر؟ |
أيورثها بكرا ، إذا مات ، بعده ، |
|
فتلك ، لعمر الله ، قاصمة الظهر! |
فكان زياد يقاتلهم نهارا إلى الليل ، وجاءه عبد له فأخبره أن ملوكهم الأربعة ، وهم : مخوس ومشرح وجمد وأبضعة وأختهم العمرّدة بنو معدي كرب ابن وليعة في محجرهم قد ثملوا من الشراب ، فكبسهم وأخذهم وذبحهم ذبحا ، وقال زياد :
نحن قتلنا الأملاك الأربعة : |
|
جمدا ومخوسا ومشرحا وأبضعه |
وسمّوا ملوكا لأنه كان لكلّ واحد منهم واد يملكه ، قال : وأقبل زياد بالسبي والأموال فمرّ على الأشعث بن قيس وقومه فصرخ النساء والصبيان ، فحمي الأشعث أنفا وخرج في جماعة من قومه فعرض لزياد ومن معه وأصيب ناس من المسلمين وانهزموا ، فاجتمعت عظماء كندة على الأشعث فلما رأى ذلك زياد كتب إلى أبي بكر يستمدّه ، فكتب أبو بكر إلى المهاجر بن أبي أمية ، وكان واليا على صنعاء قبل قتل الأسود العنسي ، فأمره بإنجاده ، فلقيا الأشعث ففضّا جموعه وقتلا منهم مقتلة كبيرة ، فلجؤوا إلى النّجير حصن لهم ، فحصرهم المسلمون حتى أجهدوا ، فطلب الأشعث الأمان لعدّة منهم معلومة هو أحدهم ، فلقيه الجفشيش الكندي واسمه معدان بن الأسود بن معدي كرب ، فأخذ بحقوه وقال : اجعلني من العدّة ، فأدخله وأخرج نفسه ونزل إلى زياد بن لبيد والمهاجر فقبضا عليه وبعثا به إلى أبي بكر ، رضي الله عنه ، أسيرا في سنة ١٢ ، فجعل يكلم أبا بكر وأبو بكر يقول له : فعلت وفعلت ، فقال الأشعث : استبقني لحربك فو الله ما كفرت بعد إسلامي ولكني شححت على مالي فأطلقني وزوّجني أختك أمّ فروة فإني قد تبت مما صنعت ورجعت منه من منعي الصدقة ، فمنّ عليه أبو بكر ، رضي الله عنه ، وزوّجه أخته أمّ فروة ، ولما تزوّجها دخل السوق فلم يمرّ به جزور إلا كشف عن عرقوبها وأعطى ثمنها وأطعم الناس ، وولدت له أمّ فروة محمدا وإسحاق وأمّ قريبة وحبّانة ، ولم يزل بالمدينة إلى أن سار إلى العراق غازيا ، ومات بالكوفة ، وصلّى عليه الحسن بعد صلح معاوية.
حِضْرةُ : بالكسر ثم السكون : موضع بتهامة كان فيه يوم بين بني دوس بن عدثان وبني الحارث بن كعب ، وكان الغلب والظفر لدوس.
الحَضَنان : بالتحريك ، والتثنية : جبلان يسميان الحضنين في بلاد بني سلول بن صعصعة.
حَضَنٌ : بالتحريك ، وهو في اللغة العاج : وهو جبل بأعلى نجد ، وهو أول حدود نجد ، وفي المثل : أنجد من رأى حضنا أي من شاهد هذا الجبل فقد صار في أرض نجد ، وقال السكري في قول جرير :
لو أن جمعهم ، غداة مخاشن ، |
|
يرمى به حضن لكاد يزول |