تروّ فإنك وارد حلبان ، وذلك أن حلبان قليل الماء خبيثة ، وهو لبني معاوية بن قشير.
حَلَبُ : بالتحريك : مدينة عظيمة واسعة كثيرة الخيرات طيبة الهواء صحيحة الأديم والماء ، وهي قصبة جند قنّسرين في أيامنا هذه ، والحلب في اللغة : مصدر قولك حلبت أحلب حلبا وهربت هربا وطربت طربا ، والحلب أيضا : اللبن الحليب ، يقال : حلبنا وشربنا لبنا حليبا وحلبا ، والحلب من الجباية مثل الصدقة ونحوها ، قال الزّجّاجي : سمّيت حلب لأن إبراهيم ، عليه السلام ، كان يحلب فيها غنمه في الجمعات ويتصدّق به فيقول الفقراء حلب حلب ، فسمي به ، قلت أنا : وهذا فيه نظر لأن إبراهيم ، عليه السلام ، وأهل الشام في أيامه لم يكونوا عربا إنما العربية في ولد ابنه إسماعيل ، عليه السلام ، وقحطان ، على أن إبراهيم في قلعة حلب مقامين يزاران إلى الآن ، فإن كان لهذه اللفظة ، أعني حلب ، أصل في العبرانية أو السريانية لجاز ذلك لأن كثيرا من كلامهم يشبه كلام العرب لا يفارقه إلا بعجمة يسيرة كقولهم كهنّم في جهنم ، وقال قوم : إن حلب وحمص وبرذعة كانوا إخوة من بني عمليق فبنى كلّ واحد منهم مدينة فسمّيت به ، وهم بنو مهر بن حيص بن جان بن مكنّف ، وقال الشرقي : عمليق بن يلمع بن عائذ ابن اسليخ بن لوذ بن سام ، وقال غيره : عمليق بن لوذ بن سام ، وكانت العرب تسميه غريبا وتقول في مثل : من يطع غريبا يمس غريبا ، يعنون عمليق ابن لوذ ، ويقال : إن لهم بقية في العرب لأنهم كانوا قد اختلطوا بهم ، ومنهم الزّبّاء ، فعلى هذا يصحّ أن يكون أهل هذه المدينة كانوا يتكلمون بالعربية فيقولون حلب إذا حلب إبراهيم ، عليه السلام.
قال بطليموس : طول مدينة حلب تسع وستون درجة وثلاثون دقيقة ، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة ، داخلة في الإقليم الرابع ، طالعها العقرب ، وبيت حياتها إحدى وعشرون درجة من القوس ، لها شركة في النسر الطائر تحت إحدى عشرة درجة من السرطان ، وخمس وثلاثون دقيقة ، يقابلها مثلها من الجدي ، بيت ملكها مثلها من الحمل ، عاقبتها مثلها من الميزان ، قال أبو عون في زيجه : طول حلب ثلاث وستون درجة ، وعرضها أربع وثلاثون درجة وثلث ، وهي في الإقليم الرابع ، وذكر أبو نصر يحيى بن جرير الطبيب التكريتي النصراني في كتاب ألّفه أن سلوقوس الموصلي ملك خمسا وأربعين سنة ، وأول ملكه كان في سنة ثلاثة آلاف وتسعمائة وتسع وخمسين لآدم ، عليه السلام ، قال : وفي سنة تسع وخمسين من مملكته ، وهي سنة أربعة آلاف وثماني عشرة لآدم ، ملك طوسا المسمّاة سميرم مع أبيها وهو الذي بنى حلب بعد دولة الإسكندر وموته باثنتي عشرة سنة ، وقال في موضع آخر : كان الملك على سوريا وبابل والبلاد العليا سلوقوس نيقطور ، وهو سريانيّ ، وملك في السنة الثالثة عشرة لبطليموس بن لاغوس بعد ممات الإسكندر ، وفي السنة الثالثة عشرة من مملكته بنى سلوقوس اللاذقية وسلوقية وأفامية وباروّا وهي حلب واداسا وهي الرّها وكمل بناء أنطاكية ، وكان بناها قبله ، يعني أنطاكية ، انطيقوس في السنة السادسة من موت الإسكندر ، وذكر آخرون في سبب عمارة حلب أن العماليق لما استولوا على البلاد الشامية وتقاسموها بينهم استوطن ملوكهم مدينة عمّان ومدينة أريحا الغور ودعاهم الناس الجبارين ، وكانت قنّسرين مدينة عامرة ولم يكن يومئذ اسمها قنّسرين وإنما كان اسمها صوبا ، وكان هذا الجبل المعروف الآن بسمعان