وفيها حدث يعرف بأبي محمد بن سنان قد ناهز العشرين وعلا في الشعر طبقة المحنّكين ، فمن قوله :
إذا هجوتكم لم أخش صولتكم ، |
|
وإن مدحت فكيف الريّ باللهب |
فحين لم ألق لا خوفا ولا طمعا |
|
رغبت في الهجو ، إشفاقا من الكذب |
وفيها شاعر يعرف بأبي العباس يكنى بأبي المشكور ، مليح الشعر سريع الجواب حلو الشمائل ، له في المجون بضاعة قوية وفي الخلاعة يد باسطة ، وله أبيات إلى والده :
يا أبا العباس والفضل! |
|
أبا العباس تكنى |
أنت مع أمّي ، بلا شكّ ، |
|
تحاكي الكركدّنا |
أنبتت ، في كل مجرى |
|
شعرة في الرأس ، قرنا |
فأجابه أبوه :
أنت أولى بأبي المذمو |
|
م بين الناس تكنى |
ليت لي بنتا ، ولا أنت ، |
|
ولو بنت يحنّا |
بنت يحنّا : مغنية بأنطاكية تحنّ إلى القرباء وتضيف الغرباء مشهورة بالعهر ، قال : ومن عجائب حلب أن في قيسارية البزّ عشرين. دكانا للوكلاء يبيعون فيها كل يوم متاعا قدره عشرون ألف دينار مستمرّ ذلك منذ عشرين سنة وإلى الآن ، وما في حلب موضع خراب أصلا ، وخرجنا من حلب طالبين أنطاكية ، وبينها وبين حلب يوم وليلة ، آخر ما ذكر ابن بطلان.
وقلعة حلب مقام إبراهيم الخليل ، وفيه صندوق به قطعة من رأس يحيى بن زكرياء ، عليه السلام ، ظهرت سنة ٤٣٥ ، وعند باب الجنان مشهد علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، رؤي فيه في النوم ، وداخل باب العراق مسجد غوث فيه حجر عليه كتابة زعموا أنه خطّ علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، وفي غربي البلد في سفح جبل جوشن قبر المحسن بن الحسين يزعمون أنه سقط لما جيء بالسّبي من العراق ليحمل إلى دمشق أو طفل كان معهم بحلب فدفن هنالك ، وبالقرب منه مشهد مليح العمارة تعصّب الحلبيّون وبنوه أحكم بناء وأنفقوا عليه أموالا ، يزعمون أنهم رأوا عليّا ، رضي الله عنه ، في المنام في ذلك المكان ، وفي قبلي الجبل جبّانة واحدة يسمونها المقام ، بها مقام لإبراهيم ، عليه السلام ، وبظاهر باب اليهود حجر على الطريق ينذر له ويصبّ عليه ماء الورد والطيب ويشترك المسلمون واليهود والنصارى في زيارته ، يقال إن تحته قبر بعض الأنبياء.
وأما المسافات فمنها إلى قنّسرين يوم وإلى المعرّة يومان وإلى أنطاكية ثلاثة أيام وإلى الرّقّة أربعة أيام وإلى الأثارب يوم وإلى توزين يوم وإلى منبج يومان وإلى بالس يومان وإلى خناصرة يومان وإلى حماة ثلاثة أيام وإلى حمص أربعة أيام وإلى حرّان خمسة أيام وإلى اللاذقية ثلاثة أيام وإلى جبلة ثلاثة أيام وإلى طرابلس أربعة أيام وإلى دمشق تسعة أيام ، قال المؤلف ، رحمة الله عليه : وشاهدت من حلب وأعمالها ما استدللت به على أن الله تعالى خصّها بالبركة وفضّلها على جميع البلاد ، فمن ذلك أنه يزرع في أراضيها القطن والسمسم والبطيخ والخيار والدخن والكروم والذرة والمشمش والتين والتفاح عذيا لا يسقى إلا بماء المطر ويجيء مع ذلك رخصا