صلاح الدين يوسف بن أيوب قد اعتنى بها بهمّته العالية فعمّرها بعمارة عادية وحفر خندقها وبنى رصيفها بالحجارة المهندمة فجاءت عجبا للناظرين إليها ، لكن المنية حالت بينه وبين تتمّتها ، ولها في أيامنا هذه سبعة أبواب : باب الأربعين ، وباب اليهود ، وكان الملك الظاهر قد جدّد عمارته وسمّاه باب النصر ، وباب الجنان ، وباب أنطاكية ، وباب قنّسرين ، وباب العراق ، وباب السرّ ، وما زال فيها على قديم الزمان وحديثه أدباء وشعراء ، ولأهلها عناية بإصلاح أنفسهم وتثمير الأموال ، فقلّ ما ترى من نشئها من لم يتقيل أخلاق آبائه في مثل ذلك ، فلذلك فيها بيوتات قديمة معروفة بالثّروة ويتوارثونها ويحافظون على حفظ قديمهم بخلاف سائر البلدان ، وقد أكثر الشعراء من ذكرها ووصفها والحنين إليها ، وأنا أقتنع من ذلك بقصيدة لأبي بكر محمد بن الحسن بن مرّار الصّنوبري وقد أجاد فيها ووصف متنزهاتها وقراها القريبة منها فقال :
احبسا العيس احبساها ، |
|
وسلا الدار سلاها |
واسألا أين ظباء ال |
|
دّار أم أين مهاها |
أين قطّان محاهم |
|
ريب دهر ومحاها |
صمّت الدار عن السا |
|
ئل ، لا صمّ صداها |
بليت بعدهم الدا |
|
ر ، وأبلاني بلاها |
آية شطّت نوى الإظ |
|
عان ، لا شطّت نواها |
من بدور من دجاها ، |
|
وشموس من ضحاها |
ليس ينهى النفس ناه |
|
ما أطاعت من عصاها |
بأبي من عرسها وسخ |
|
طي ، ومن عرسي رضاها |
دمية إن جلّيت كا |
|
نت حلى الحسن حلاها |
دمية ألقت إليها |
|
راية الحسن دماها |
دمية تسقيك عينا |
|
ها ، كما تسقي مداها |
أعطيت لونا من الور |
|
د ، وزيدت وجنتاها |
حبّذا الباءات باءت ، |
|
وقويق ورباها |
بانقوساها بها با |
|
هي المباهي ، حين باهى |
وبباصفرا وبابل |
|
لا ربا مثلي وتاها |
لا قلى صحراء نافر |
|
قلّ شوقي ، لا قلاها (١) |
لا سلا أجبال باسل |
|
لين قلبي ، لا سلاها |
وبباسلّين فليب |
|
غ ركابي من بغاها |
وإلى باشقلّيشا |
|
ذو التناهي يتناهى |
__________________
(١) قوله : نافر ، بسكون الراء ، هكذا في الأصل.