لبود إلّا شيء يسير بني من طين ، ولهم أسواق وحمّامات ، وفيها خلق كثير من المسلمين يقال إنهم يزيدون على عشرة آلاف مسلم ولهم نحو ثلاثين مسجدا ، وقصر الملك بعيد من شطّ النهر ، وقصره من آجر وليس لأحد بناء من آجر غيره ، ولا يمكّن الملك أن يبنى بالآجر غيره ، ولهذا السور أربعة أبواب : أحدها يلي النهر وآخرها يلي الصحراء على ظهر هذه المدينة ، وملكهم يهوديّ ، ويقال : إنّ له من الحاشية
نحو أربعة آلاف رجل ، والخزر مسلمون ونصارى وفيهم عبدة الأوثان ، وأقل الفرق هناك اليهود على أن الملك منهم ، وأكثرهم المسلمون والنصارى إلّا أنّ الملك وخاصته يهود ، والغالب على أخلاقهم أخلاق أهل الأوثان ، يسجد بعضهم لبعض عند التعظيم ، وأحكام مصرهم على رسوم مخالفة للمسلمين واليهود والنصارى ، وجريدة جيش الملك اثنا عشر ألف رجل ، فإذا مات منهم رجل أقيم غيره مقامه ، فلا تنقص هذه العدة أبدا ، وليست لهم جراية دائرة إلّا شيء نزر يسير يصل إليهم في المدة البعيدة إذا كان لهم حرب أو حزبهم أمر عظيم يجمعون له ، وأما أبواب أموال صلات الخزر فمن الأرصاد وعشور التجارات على رسوم لهم من كل طريق وبحر ونهر ، ولهم وظائف على أهل المحالّ والنواحي من كل صنف مما يحتاج إليه من طعام وشراب وغير ذلك ، وللملك تسعة من الحكام من اليهود والنصارى والمسلمين وأهل الأوثان ، إذا عرض للناس حكومة قضى فيها هؤلاء ، ولا يصل أهل الحوائج إلى الملك نفسه وإنما يصل إليه هؤلاء الحكام ، وبين هؤلاء الحكام وبين الملك يوم القضاء سفير يراسلونه فيما يجري من الأمور ينهون إليه ويردّ عليهم أمره ويمضونه.
وليس لهذه المدينة قرى إلّا أن مزارعهم مفترشة ، يخرجون في الصيف إلى المزارع نحوا من عشرين فرسخا فيزرعون ويجمعونه إذا أدرك بعضه إلى النهر وبعضه إلى الصحاري فيحملونه على العجل والنهر ، والغالب على قوتهم الأرز والسمك وما عدا ذلك مما يوجد عندهم يحمل إليهم من الروس وبلغار وكويابه ، والنصف الشرقي من مدينة الخزر فيه معظم التجار والمسلمون والمتاجر ، ولسان الخزر غير لسان الترك والفارسية ولا يشاركه لسان فريق من الأمم ، والخزر لا يشبهون الأتراك ، وهم سود الشعور ، وهم صنفان : صنف يسمون قراخزر ، وهم سمر يضربون لشدة السمرة إلى السواد كأنهم صنف من الهند ، وصنف بيض ظاهر والجمال والحسن ، والذي يقع من رقيق الخزر وهم أهل الأوثان الذين يستجيزون بيع أولادهم واسترقاق بعضهم لبعض ، فأما اليهود والنصارى فإنهم يدينون بتحريم استرقاق بعضهم بعضا مثل المسلمين.
وبلد الخزر لا يجلب منه إلى البلاد شيء ، وكل ما يرتفع منه إنما هو مجلوب إليه مثل الدقيق والعسل والشمع والخز والأوبار. وأما ملك الخزر فاسمه خاقان ، وإنه لا يظهر إلّا في كلّ أربعة أشهر متنزها ، ويقال له خاقان الكبير ويقال لخليفته خاقان به ، وهو الذي يقود الجيوش ويسوسها ويدبر أمر المملكة ويقوم بها ويظهر ويغزو وله تذعن الملوك الذين يصاقبونه ، ويدخل في كل يوم إلى خاقان الأكبر متواضعا يظهر الإخبات والسكينة ولا يدخل عليه إلّا حافيا وبيده حطب ، فإذا سلم عليه أوقد بين يديه ذلك الحطب ، فإذا فرغ من الوقود جلس مع الملك على سريره عن يمينه ، ويخلفه رجل يقال له كندر خاقان ويخلف هذا أيضا رجل يقال له جاويشغر ، ورسم الملك الأكبر أن لا يجلس للناس ولا يكلمهم ولا يدخل عليه أحد