الرأي الأول ، إلا أن يراد بالآية : (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) ترك الإضرار فقط ، أو يراد من الوارث الولد نفسه.
وتحديد مدة الرضاع بحولين كاملين إنما كان لبيان المدة القصوى التي يرجع إليها عند الاختلاف كما بينها الله ، فإن أراد الوالدان فطام الولد قبل الحولين أو بعدهما ، برضاهما وتشاورهما في مصلحة الطفل ، فلا إثم عليهما فيه ، حيث اقتضت المصلحة ذلك ، ولم يلحق ضرر بالولد.
ولا مانع من استئجار المراضع ، وهو ما أبانته الآية التي أفصحت عن أنه : إذا أردتم أن تسترضعوا المراضع أولادكم أو لأولادكم بسبب حمل أو مرض أو عدم اتفاق ، فلا حرج فيه ، بشرط إعطاء المرضعة أجرها بالمعروف أي بحسب أجرة أمثالهن في كل عصر ومكان ، لما في الأجر من تحقيق مصلحة الولد والوالدين أيضا. وهذا خطاب للأب والأم على سبيل التغليب ، للإشارة إلى أنه من الأدب والمصلحة تشاور الأبوين في الاسترضاع ، لأنه ولدهما.
والقول بجواز استرضاع المراضع الأجنبيات هو مذهب أبي حنيفة. وقوله تعالى : (إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ) ليس شرطا لجواز الاسترضاع ، وإنما هو ندب إلى الأولى ، تطييبا لنفس المرضع.
ثم ضرب الله نطاقا محكما لتنفيذ الأحكام السابقة : وهو أن يتم في ظل تقوى الله ، فعلى المؤمن أن يخشى الله ، فلا يفرط في شيء من الأحكام المذكورة ، لأن الله تعالى خبير وبصير بكل شيء ، فيجازيكم على أعمالكم ، فإن أنتم أديتم حقوق النساء والأطفال ، واجتنب الوالدان المضارّة ، كان الأولاد مثلا صالحا في الدنيا وسبب مثوبة في الآخرة ، وإن سرتم على وفق الأهواء ، كان الأولاد نذير سوء ، وعنوان بلاء وفتنة في الدنيا ، وسبب عذاب في الآخرة.