قال الإمام محمد عبده : وقد خطر لي وجه آخر : هو الذي يطّرد في أسلوب القرآن الخاص في مزج مقاصد القرآن بعضها ببعض ، من عقائد وحكم ومواعظ وأحكام تعبديّة ومدنيّة وغيرها ، وهو نفي السآمة عن القارئ والسامع من طول النوع الواحد منها ، وتجديد نشاطهما وفهمهما واعتبارهما في الصلاة وغيرها (١).
التفسير والبيان :
على الذين يشرفون منكم على الموت ، ويتركون زوجات بعدهم أن يوصوا لهنّ بوصية التّمتع المستمر في البيت إلى نهاية الحول ، بدون إخراج منه أو منع السكنى فيه. فيكون للزوجة الأرملة النفقة من مال زوجها المتوفى مدّة سنة كاملة ، ويجب على الورثة ألا يخرجوا المتوفى عنها زوجها ولا يمنعوا النفقة عنها قبل مضي السنة. وهل هذا الأمر أمر وجوب وإلزام أو أمر ندب واستحباب؟
قولان (٢) :
١ ـ قول الجمهور : كانت عدّة الوفاة في أول الإسلام سنة كاملة ، مجاراة لعادة العرب ، ثم نسخت هذه الآية بآية المواريث في سورة النساء والآية المتقدمة المتأخرة في النزول : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) [البقرة ٢ / ٢٣٤] ، فصارت عدّة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام ، بدل السّنة ، وتأخذ حقّها المقرر في الميراث. أخرج ابن جرير الطبري عن همام بن يحيى قال : سألت قتادة عن قوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ) فقال : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها ، كان لها السكنى والنفقة ، حولا في مال زوجها ، ما لم تخرج ،
__________________
(١) تفسير المنار : ٢ / ٣٥٣
(٢) البحر المحيط : ٢ / ٢٤٤