الجيش المؤمن لبعض ، لما رأوا جالوت وكثرة جنوده ، وتفوقهم عددا وعددا : لا قدرة لنا على محاربة هؤلاء الأعداء ، وهم جالوت وجنوده ، فضلا عن الأمل في التغلب عليهم ، فرد عليهم بقية المؤمنين الذين يوقنون بلقاء ربهم ومجازاته على أعمالهم في الآخرة ، والذين ينتظرون إحدى الحسنيين : إما الشهادة في سبيل الله ، وإما النصر على الأعداء : لا تغرنكم كثرة الأعداء ، فكثيرا ما غلبت الفئة القليلة العدد بقوة إيمانها ومشيئة الله الفئة الكثيرة العدد ، والله مع الصابرين بالتأييد والعون ، فإن النصر مع الصبر.
ولما ظهر طالوت ومن معه من جماعة المؤمنين لأعدائه الفلسطينيين : جالوت وجنوده ، وشاهدوا ما هم عليه من كثرة العدد وقوة العدد ، لجأوا إلى الله يدعونه ، كما هي عادة المضطر الخائف الذي لا يجد ملاذا غير الله في وقت الشدة وعسر المحنة ، فقالوا : (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً ، وَثَبِّتْ أَقْدامَنا ، وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ). أي ألهمنا الصبر ، وثبّت نفوسنا في القتال ، وحقق النصر لنا على الكافرين : عبدة الأوثان ، الذين يحبون الدنيا وتمتلئ قلوبهم بالأباطيل. وهذا دعاء عظيم في مثل هذا الموقف الرهيب ، وفيه حكمة وعقل ، إذ الصبر سبب الثبات ، والثبات سبب النصر ، وأحق الناس بالنصر هم المؤمنون.
وهنا تجلت عظمة الله ونعمته عند صدق الإيمان وصدق اللجوء إليه ، فأذن بنصر المؤمنين ، واستجاب دعاءهم ، وهزمت الفئة القليلة تلك الفئة الكثيرة بإذن الله وإرادته ، وقتل داود الفتى القوي جالوت جبار الفلسطينيين في مبارزة ، إذ رماه بمقلاعه ، فأصاب الحجر رأسه فصرعه ، ثم دنا منه ، وأخذ سيفه ، واحتزّ به رأسه ، وجاء به فألقاه بين يدي طالوت ، وانهزم جنوده وأتباعه.
فاشتهر داود بين الناس ، وورث ملك بني إسرائيل ، وآتاه الله النبوة ، وأنزل عليه التوراة ، وعلمه صنعة الدروع ، وعرفه منطق الطير ، وعلمه علوم