وهذا نترك تبعته على ابن حجر العسقلاني ، حيث قال في مقام الرد على الداودي الذي ذهب إلى عين ما ذهب له القرطبي ، فقال : وكأنه ظن أن قولهم لا يثبت القرآن بخبر الواحد أي الشخص الواحد وليس كما ظن بل المراد بخبر الواحد خلاف الخبر المتواتر ، ولو بلغت رواة الخبر عددا كثيرا وفقد شيئا من شروط المتواتر لم يخرج عن كونه خبر الواحد. (١)
٣ ـ إن الروايات الواردة في المقام تؤكد على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد اعتبر شهادة خزيمة بن ثابت بمنزلة شهادة رجلين ، وهذا يوحي أن إثبات الآية عن طريق خزيمة بن ثابت ، إنما تم باعتبار أنه (ذوالشهادتين) لا غير ، وإلا فما الداعي لتأكيد زيد بن ثابت على أن شهادة خزيمة تعدل شهادتين؟! وهل هو إلا لتبرير دمجه لالآية بشهادة خزيمة وحده؟!
وهذا كما يقول علماء الأصول من باب أن تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية ، وهو مضمون رواية البخاري السابقة : فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم شهادته شهادة رجلين.
٤ ـ طريقة طرح القرطبي للدليلين توحي أنهما اجتهاد بعيد عن الحس والواقع لأنه يردد الجوابين ، فإما أن يكون جوابه هذا أو ذلك ، فهو تارة يقول إن آخر سورة براءة ثبت بالإجماع وبتذكر الصحابة لها ، وتارة أخرى يقول إنها ثبتت لقيام الدليل على صحتها في صفة النبي صلى الله عليه وآله ووسلم!
__________________
(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٩ : ١٥ كتاب فضائل القرآن.