وبهذا يلوح كذب الأخبار المفتعلة بخلافها ، لأن تلك لا تصح من طريق النقل أصلا ، فبطل ظنهم أن أحدا جمع القرآن وألفه دون النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، ومما يبين بطلان هذا القول ببرهان واضح أن في بعض المصاحف التي وجه بها عثمان رضي الله عنه إلى الآفاق واوات زائدة على سائرها ، وفي بعض المصاحف (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَميدُ) (١). في سورة الحديد وفي بعضها بنقصان (هو) ، وأيضا فمن المحال أن يكون عثمان رضي الله عنه أقرأ الخلفاء وأقدمهم صحبة وكان يحفظ القرآن كله ظاهرا ، ويقوم به في ركعة (!) ، يترك قراءته التي أخذها من فم النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ويرجع إلى قراءة زيد وهو صبي من صبيانه ، وهذا ما لا يظنه إلا جاهل غبي ، ومنها أن عاصما روى عن زر وقرأ عليه ، لم يقرأ على زيد ولا على من قرأ على زيد شيئا ، إلا أنه قد صح عنه أنه عرض على زيد فلم يخالف ابن مسعود ، وهذا ابن عامر قارئ أهل الشام لم يقرأ على زيد شيئا ولا على من قرأ على زيد ، وإنما قرأ على أبي الدرداء ومن طريق عثمان رضي الله عنهما ، وكذلك حمزة لم يأخذ من طريق زيد شيئا ، وقد غلط قوم فسموا الأخذ بما قاله رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وبما اتفق عليه علماء الأمة تقليدا وهذا هو فعل أهل السفسطة والطالبين لتلبيس العلوم وإفسادها وإبطال الحقائق وإيقاع الحيرة. (٢)
__________________
(١) الحج : ٦٤.
(٢) الإحكام في أصول الأحكام ٦ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨.