وبطبيعة الحال علم هذا الاختلاف والتفاوت للصبيان والنساء ، إذ أن بعض كبار القراء كانوا يعلمون الناس الاجتهاد في قراءة النص القرآني ، وكان ابن مسعود يقول : إن الألفاظ المترادفة في المعنى لا ضير في تبديلها! ، وقد روي أنه قال : سمعت القراء ووجدت أنهم متقاربون ، فاقرأوا كما علمتم ـ أي كيفما علمكم المقرئ ـ فهو كقولكم : هلم وتعال (١). ، وروي عنه أيضا قوله : إنه ليس من الخطأ في القرآن أن يقرأ مكان العليم ، الحكيم. بل أن يضع آية الرحمة مكان آية العذاب (٣). ، وروي أنه كان يقول : إلياس هو إدريس ، فقرأ : (وإن إدريس لمن المرسلين) وقرأ : (سلام على إدراسين) (٣). وسيأتي الكثير من هذا الاجتهاد إن شاء الله تعالى.
وعوام الناس الملتفون حول هؤلاء القراء حسبوا أن القرآن نزل بالشكل الذي يقرأه شيخهم في القراءة ، وأن غير هذا ليس بقرآن ، وهذا المتوقع لأن شيخ القراءة لن يقول إن قراءته اجتهاد منه في كتاب الله عزوجل! وبانتشار القراءات المختلفة بين الناس ، وتعصب جماعة لقراءة ابن مسعود وجماعة لقراءة أبي موسى وجماعة لقراءة أبي الدرداء ، آل المر إلى حصول التناحر والتكفير بين العوام، حتى قال بعضهم لبعض : كفرت بما تقرأ!، فعصفت ريح
__________________
(١) معجم الأدباء لیاقوت ٤ : ١٩٣ ت ٣٣ والإتقان ١ : ٤٧ ، والنشرفي القراءات العشر ١ : ٢١. لاحظ أنه لم ينسبها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(٢) التفسير الكبير للرازي ١ ك ٢١٣.
(٣) جامع البيان للطبري ٢٣ : ٩٦. وهذه الموارد الثلاثة السابقة نقلا عن تلخيص التمهيد : ١٤٨.
المصنف لابن أبي شيبة ٧ : ٢٠٤.