لما كتب عثمان المصاحف شكوا في ثلاث آيات فكتبوها في كتف شاة ، وأرسلوني بها إلى أبي بن كعب وزيد بن ثابت ، فدخلت عليهما ، فناولتها أبي بنن كعب فقرأها فوجد فيها (لا تبديل للخلق ذلك الدين القيم) فمحا بيده أحد اللامين وكتبها (لا تَبْديلَ لِخَلْقِ اللَّه) (١). ووجد فيها (أنظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنن) فمحا النون وكتبها (لَمْ يَتَسَنَّهْ) (٢). وقرأ فيها (فأمهل الكافرين) فمحا الألف وكتبها (فَمَهِّل) (٣). ونظر فيها زيد بن ثابت ، ثم انطلقت بها إلى عثمان ، فأثبتوها في المصاحف كذلك (٤).
ثم إن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه كان المتصدي الثبت الذي لا تأخذه في الله لومة لائم ، إذ أراد الجامعون تبديل أحرف من القرآن فصمد لهم وهددهم بإشهار سيفه لو لم يكتبوها كما هي ، فتنازل الجامعون عن هذه الفكرة المنحرفة بحزم مأبي رضي الله تعالى عنه وصلابته في ذات الله عزوجل ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه كان يلحظ ويراقب ما يدور بين جماع القرآن.
أخرج ابن الضريس عن علباء بن أحمر أن عثمان بن عفان رضي الله عنه
__________________
(١) الروم :٣٠.
(٢) البقرة : ٢٥٩.
(٣) الطارق ١٧.
(٤) الدر المنثور ١ : ٣٢٣ ،لاحظ أن الورقة أعطيت أولا لأبي بن كعب فمحا الخطأ من نفسه دون استشارة زيد بن ثابت ، ومن الإحجاف بحق سييد القراء أن يقارن بشباب حدث السن كزيد!