أي إذا صح أن لا أحد مثله ولا يستحق العبادة غيره لم يكن بد من التسليم لأمره والاشتغال بعبادته والاصطبار على مشاقها.
(وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً)(٦٧)
(وَيَقُولُ الْإِنْسانُ) المراد به الجنس بأسره فإن المقول مقول فيما بينهم وإن لم يقله كلهم كقولك : بنو فلان قتلوا فلانا والقاتل واحد منهم ، أو بعضهم المعهود وهم الكفرة أو أبي بن خلف فإنه أخذ عظاما بالية ففتها وقال : يزعم محمد أنا نبعث بعد ما نموت. (أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) من الأرض أو من حال الموت ، وتقديم الظرف وإيلاؤه حرف الإنكار لأن المنكر كون ما بعد الموت وقت الحياة ، وانتصابه بفعل دل عليه (أُخْرَجُ) لا به فإن ما بعد اللام لا يعمل فيما قبلها ، وهي ها هنا مخلصة للتوكيد مجردة عن معنى الحال كما خلصت الهمزة واللام في يا الله للتعويض فساغ اقترانها بحرف الاستقبال. وروي عن ابن ذكوان (إِذا ما مِتُ) بهمزة واحدة مكسورة على الخبر.
(أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ) عطف على (يَقُولُ) ، وتوسيط همزة الإنكار بينه وبين العاطف مع أن الأصل أن يتقدمهما للدلالة على أن المنكر بالذات هو المعطوف وأن المعطوف عليه إنما نشأ منه فإنه لو تذكر وتأمل : (أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) بل كان عدما صرفا ، لم يقل ذلك فإنه أعجب من جمع المواد بعد التفريق وإيجاد مثل ما كان فيها من الأعراض. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وقالون عن يعقوب (يَذْكُرُ) من الذكر الذي يراد به التفكر ، وقرئ «يتذكر» على الأصل.
(فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا)(٦٨)
(فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ) أقسم باسمه تعالى مضافا إلى نبيه تحقيقا للأمر وتفخيما لشأن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم. (وَالشَّياطِينَ) عطف أو مفعول معه لما روي أن الكفرة يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم كل مع شيطانه في سلسلة ، وهذا وإن كان مخصوصا بهم ساغ نسبته إلى الجنس بأسره ، فإنهم إذا حشروا وفيهم الكفرة مقرونين بالشياطين فقد حشروا جميعا معهم. (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ) ليرى السعداء ما نجاهم الله منه فيزدادوا غبطة وسرورا ، وينال الأشقياء ما ادخروا لمعادهم عدة ويزدادوا غيظا من رجوع السعداء عنهم إلى دار الثواب وشماتتهم عليهم (جِثِيًّا) على ركبهم لما يدهمهم من هول المطلع ، أو لأنه من توابع التواقف للحساب قبل التواصل إلى الثواب والعقاب ، وأهل الموقف جاثون لقوله تعالى (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) على المعتاد في مواقف التقاول ، وإن كان المراد بالإنسان الكفرة فلعلهم يساقون جثاة من الموقف إلى شاطئ جهنم إهانة بهم ، أو لعجزهم عن القيام لما عراهم من الشدة. وقرأ حمزة والكسائي وحفص (جِثِيًّا) بكسر الجيم.
(ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا)(٧٠)
(ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) من كل أمة شاعت دينا. (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) من كان أعصى وأعتى منهم فنطرحهم فيها ، وفي ذكر الأشد تنبيه على أنه تعالى يعفو كثيرا من أهل العصيان ولو خص ذلك بالكفرة فالمراد أنه يميز طوائفهم أعتاهم فأعتاهم ويطرحهم في النار على الترتيب ، أو يدخل كلا طبقتها التي تليق به ، و (أَيُّهُمْ) مبني على الضم عند سيبويه لأن حقه أن يبنى كسائر الموصولات ، لكنه أعرب حملا