صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) مرة على الطاعة ومرة على طلبهن رضا النبي عليه الصلاة والسلام بالقناعة وحسن المعاشرة. وقرأ حمزة والكسائي «ويعمل» بالياء حملا على لفظ «من ويؤتها» على أن فيه ضمير اسم الله ، (وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً) في الجنة زيادة على أجرها.
(يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً)(٣٢)
(يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) أصل أحد وحد بمعنى الواحد ، ثم وضع في النفي العام مستويا فيه المذكر والمؤنث والواحد والكثير ، والمعنى لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء في الفضل. (إِنِ اتَّقَيْتُنَ) مخالفة حكم الله ورضا رسوله. (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) فلا تجئن بقولكن خاضعا لينا مثل قول المريبات. (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) فجور ، وقرئ بالجزم عطفا على محل فعل النهي على أنه نهي مريض القلب عن الطمع عقيب نهيهن عن الخضوع بالقول. (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) حسنا بعيدا عن الريبة.
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٣٣)
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) من وقر يقر وقارا أو من قر يقر حذفت الأولى من راءي اقررن ونقلت كسرتها إلى القاف ، فاستغني عن همزة الوصل ويؤيده قراءة نافع وعاصم بالفتح من قررت أقر وهو لغة فيه ، ويحتمل أن يكون من قار يقار إذا اجتمع. (وَلا تَبَرَّجْنَ) ولا تتبخترن في مشيكن. (تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) تبرجا مثل تبرج النساء في أيام الجاهلية القديمة ، وقيل هي ما بين آدم ونوح ، وقيل الزمان الّذي ولد فيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام كانت المرأة تلبس درعا من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمّد عليهما الصلاة والسلام ، وقيل الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام ، والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق في الإسلام ويعضده قوله عليه الصلاة والسلام لأبي الدرداء رضي الله عنه «إن فيك جاهلية ، قال جاهلية كفر أو إسلام قال بل جاهلية كفر». (وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) في سائر ما أمركن به ونهاكن عنه. (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) الذنب المدنس لعرضكم وهو تعليل لأمرهن ونهيهن على الاستئناف ولذلك عمم الحكم. (أَهْلَ الْبَيْتِ) نصب على النداء أو المدح. (وَيُطَهِّرَكُمْ) عن المعاصي. (تَطْهِيراً) واستعارة الرجس للمعصية والترشيح بالتطهير للتنفير عنها ، وتخصيص الشيعة أهل البيت بفاطمة وعلي وابنيهما رضي الله عنهم لما روي «أنه عليه الصلاة والسلام خرج ذات غدوة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجلس فأتت فاطمة رضي الله عنها فأدخلها فيه ، ثم جاء علي فأدخله فيه ثم جاء الحسن والحسين رضي الله عنهما فأدخلهما فيه ثم قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ)» ، والاحتجاج بذلك على عصمتهم وكون إجماعهم حجة ضعيف لأن التخصيص بهم لا يناسب ما قبل الآية وما بعدها ، والحديث يقتضي أنهم من أهل البيت لا أنه ليس غيرهم.
(وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً)(٣٤)
(وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ) من الكتاب الجامع بين الأمرين وهو تذكير بما أنعم الله عليهن من حيث جعلهن أهل بيت النبوة ومهبط الوحي وما شاهدن من برحاء الوحي مما يوجب قوة الإيمان والحرص على الطاعة حثا على الانتهاء والائتمار فيما كلفن به. (إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً) يعلم ويدبر ما يصلح في الدين ولذلك خيركن ووعظكن ، أو يعلم من يصلح لنبوته ومن يصلح أن يكون أهل بيته.