امْكُثُوا) أقيموا مكانكم. وقرأ حمزة «لأهله امكثوا ها هنا» ، وفي «القصص» بضم الهاء في الوصل والباقون بكسرها. (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) أبصرتها إبصارا لا شبهة فيه ، وقيل الإيناس إبصار ما يؤنس به. (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ) بشعلة من النار وقيل جمرة. (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) هاديا يدلني على الطريق أو يهديني أبواب الدين ، فإن أفكار الأبرار مائلة إليها في كل ما يعن لهم. ولما كان حصولهما مترتبا بني الأمر فيهما على الرجاء بخلاف الإيناس ، فإنه كان محققا ولذلك حققه لهم ليوطنوا أنفسهم عليه ، ومعنى الاستعلاء في (عَلَى النَّارِ) أن أهلها مشرفون عليها أو مستعلون المكان القريب منها كما قال سيبويه في : مررت بزيد إنه لصوق بمكان يقرب منه.
(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً)(١٢)
(فَلَمَّا أَتاها) أي النار وجد نارا بيضاء تتقد في شجرة خضراء. (نُودِيَ يا مُوسى).
(إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) فتحه ابن كثير وأبو عمرو أي بأني وكسره الباقون بإضمار القول أو إجراء النداء مجراه ، وتكرير الضمير للتوكيد والتحقيق. قيل إنه لما نودي قال : من المتكلم قال : إني أنا الله ، فوسوس إليه إبليس لعلك تسمع كلام شيطان فقال : أنا عرفت أنه كلام الله بأني أسمعه من جميع الجهات وبجميع الأعضاء. وهو إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام تلقى من ربه كلامه تلقيا روحانيا ، ثم تمثل ذلك الكلام لبدنه وانتقل إلى الحس المشترك فانتقش به من غير اختصاص بعضو وجهة. (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) أمره بذلك لأن الحفوة تواضع وأدب ولذلك طاف السلف حافين. وقيل لنجاسة نعليه فإنهما كانتا من جلد حمار غير مدبوغ. وقيل معناه فرغ قلبك من الأهل والمال. (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) تعليل للأمر باحترام البقعة والمقدس يحتمل المعنيين. (طُوىً) عطف بيان للوادي ونونه ابن عامر والكوفيون بتأويل المكان. وقيل هو كثني من الطي مصدر ل (نُودِيَ) أو (الْمُقَدَّسِ) أي : نودي نداءين أو قدس مرتين.
(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)(١٤)
(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) اصطفيتك للنبوة وقرأ حمزة «وأنّا اخترناك». (فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) للذي يوحى إليك ، أو للوحي واللام تحتمل التعلق بكل من الفعلين.
(إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي) بدل مما يوحى دال على أنه مقصور على تقرير التوحيد الّذي هو منتهى العلم والأمر بالعبادة الّتي هي كمال العمل. (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) خصها بالذكر وأفردها بالأمر للعلة الّتي أناط بها إقامتها ، وهو تذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره. وقيل (لِذِكْرِي) لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها ، أو لأن أذكرك بالثناء ، أو (لِذِكْرِي) خاصة لا ترائي بها ولا تشوبها بذكر غيري. وقيل لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة أو لذكر صلاتي. لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال «من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها إن الله تعالى يقول (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي).
(إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى)(١٦)
(إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) كائنة لا محالة. (أَكادُ أُخْفِيها) أريد إخفاء وقتها ، أو أقرب أن أخفيها فلا أقول إنها آتية ولو لا ما في الإخبار بإتيانها من اللطف وقطع الأعذار لما أخبرت به ، أو أكاد أظهرها من أخفاه إذا سلب خفاءه ، ويؤيده القراءة بالفتح من خفاه إذا أظهره. (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) متعلق ب (آتِيَةٌ) أو ب