(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يريد به تقرير قوله (لا يَمْلِكُونَ). (قُلِ اللهُ) إذ لا جواب سواه ، وفيه إشعار بأنهم إن سكتوا أو تلعثموا في الجواب مخافة الإلزام فهم مقرون به بقلوبهم. (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي وإن أحد الفريقين من الموحدين المتوحد بالرزق والقدرة الذاتية بالعبادة ، والمشركين به الجماد النازل في أدنى المراتب الإمكانية لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال المبينين ، وهو بعد ما تقدم من التقرير البليغ الدال على من هو على الهدى ومن هو في الضلال أبلغ من التصريح لأنه في صورة الإنصاف المسكت للخصم المشاغب ، ونظيره قول حسان :
أتهجوه ولست له بكفء |
|
فشرّكما لخير كما الفداء |
وقيل إنه على اللف والنشر وفيه نظر ، واختلاف الحرفين لأن الهادي كمن صعد منارا ينظر الأشياء ويتطلع عليها أو ركب جوادا يركضه حيث يشاء ، والضال كأنه منغمس في ظلام مرتبك لا يرى شيئا أو محبوس في مطمورة لا يستطيع أن يتفصى منها.
(قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ)(٢٦)
(قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) هذا أدخل في الإنصاف وأبلغ في الإخبات حيث أسند الإجرام إلى أنفسهم والعمل إلى المخاطبين.
(قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا) يوم القيامة. (ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِ) يحكم ويفصل بأن يدخل المحقين الجنة والمبطلين النار. (وَهُوَ الْفَتَّاحُ) الحاكم الفاصل في القضايا المنغلقة. (الْعَلِيمُ) بما ينبغي أن يقضى به.
(قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(٢٨)
(قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ) لأرى بأي صفة ألحقتموهم بالله في استحقاق العبادة ، وهو استفسار عن شبهتهم بعد إلزام الحجة عليهم زيادة في تبكيتهم. (كَلَّا) ردع لهم عن المشاركة بعد إبطال المقايسة. (بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الموصوف بالغلبة وكمال القدرة والحكمة ، وهؤلاء الملحقون به متسمون بالذلة متأبية عن قبول العلم والقدرة رأسا ، والضمير لله أو للشأن.
(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) إلا إرسالة عامة لهم من الكف فإنها إذا عمتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم ، أو إلا جامعا لهم في الإبلاغ فهي حال من الكاف والتاء للمبالغة ، ولا يجوز جعلها حالا من الناس على المختار. (بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) فيحملهم جهلهم على مخالفتك.
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ)(٣٠)
(وَيَقُولُونَ) من فرط جهلهم. (مَتى هذَا الْوَعْدُ) يعنون المبشر به والمنذر عنه أو الموعود بقوله : (يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا). (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) يخاطبون به رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين.
(قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ) وعد يوم أو زمان وعد ، وإضافته إلى اليوم للتبيين ويؤيده أنه قرئ «يوم» على البدل ، وقرئ «يوما» بإضمار أعني. (لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) إذا فاجأكم وهو جواب تهديد جاء مطابقا لما قصدوه بسؤالهم من التعنت والإنكار.