كل واحد من مفهوميه ، وإسناده باعتبار أحدهما إلى أمر وباعتبار الآخر إلى آخر ، فإن تخصيص الكثير يدل على خصوص المعنى المسند إليهم ، أو مبتدأ خبره محذوف يدل عليه خبر قسيمه نحو حق له الثواب ، أو فاعل فعل مضمر أي ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة. (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) بكفره وإبائه عن الطاعة ، ويجوز أن يجعل «وكثير» تكريرا للأول مبالغة في تكثير المحقوقين بالعذاب أن يعطف به على الساجدين بالمعنى العام موصوفا بما بعده. وقرئ «حق» بالضم و «حقا» بإضمار فعله. (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ) بالشقاوة (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) يكرمه بالسعادة ، وقرئ بالفتح بمعنى الإكرام. (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) من الإكرام والإهانة.
(هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ)(٢٠)
(هذانِ خَصْمانِ) أي فوجان مختصمان. ولذلك قال : (اخْتَصَمُوا) حملا على المعنى ولو عكس لجاز ، والمراد بها المؤمنون والكافرون. (فِي رَبِّهِمْ) في دينه أو في ذاته وصفاته. وقيل تخاصمت اليهود والمؤمنون فقال اليهود : نحن أحق بالله وأقدم منكم كتابا ونبينا قبل نبيكم ، وقال المؤمنون : نحن أحق بالله آمنا بمحمّد ونبيكم وبما أنزل الله من كتاب ، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم كفرتم به حسدا فنزلت. (فَالَّذِينَ كَفَرُوا) فصل لخصومتهم وهو المعني بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ). (قُطِّعَتْ لَهُمْ) قدرت لهم على مقادير جثثهم ، وقرئ بالتخفيف. (ثِيابٌ مِنْ نارٍ) نيران تحيط بهم إحاطة الثياب. (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) حال من الضمير في (لَهُمْ) أو خبر ثان ، والحميم الماء الحار.
(يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) أي يؤثر من فرط حرارته في باطنهم تأثيره في ظاهرهم فتذاب به أحشاؤهم كما تذاب به جلودهم ، والجملة حال من (الْحَمِيمُ) أو من ضميرهم. وقرئ بالتشديد للتكثير.
(وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ)(٢٢)
(وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) سياط منه يجلدون بها جمع مقمعة وحقيقتها ما يقمع به أي يكف بعنف.
(كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها) من النار. (مِنْ غَمٍ) من غمومها بدل من الهاء بإعادة الجار. (أُعِيدُوا فِيها) أي فخرجوا أعيدوا لأن الإعادة لا تكون إلا بعد الخروج ، وقيل يضربهم لهيب النار فيرفعهم إلى أعلاها فيضربون بالمقامع فيهوون فيها. (وَذُوقُوا) أي وقيل لهم ذوقوا. (عَذابَ الْحَرِيقِ) أي النار البالغة في الإحراق.
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٢٣) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ)(٢٤)
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) غير الأسلوب فيه وأسند الإدخال إلى الله تعالى وأكده بإن إحمادا لحال المؤمنين وتعظيما لشأنهم. (يُحَلَّوْنَ فِيها) من حليت المرأة إذا ألبستها الحلي ، وقرئ بالتخفيف والمعنى واحد. (مِنْ أَساوِرَ) صفة مفعول محذوف و (أَساوِرَ) جمع أسورة وهو جمع سوار. (مِنْ ذَهَبٍ) بيان له. (وَلُؤْلُؤاً) عطف عليها لا على (ذَهَبٍ) لأنه لم يعهد السوار