الكذب منحرف مصروف عن الواقع.
(حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)(٣٢)
(حُنَفاءَ لِلَّهِ) مخلصين له. (غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) وهما حالان من الواو. (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ) لأنه سقط من أوج الإيمان إلى حضيض الكفر. (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) فإن الأهواء الرديئة توزع أفكاره ، وقرأ نافع وحده (فَتَخْطَفُهُ) بفتح الخاء وتشديد الطاء. (أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) بعيد فإن الشيطان قد طوح به في الضلالة وأو للتخيير كما في قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) ، أو للتنويع فإن المشركين من لا خلاص له أصلا ، ومنهم من يمكن خلاصه بالتوبة لكن على بعد ، ويجوز أن يكون من التشبيهات المركبة فيكون المعنى : ومن يشرك بالله فقد هلكت نفسه هلاكا يشبه أحد الهلاكين.
(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) دين الله أو فرائض الحج ومواضع نسكه ، أو الهدايا لأنها من معالم الحج وهو أوفق لظاهر ما بعده ، وتعظيمها أن تختارها حسانا سمانا غالية الأثمان. روي أنه صلىاللهعليهوسلم أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب ، وأن عمر رضي الله تعالى عنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار. (فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) فإن تعظيمها منه من أفعال ذوي تقوى القلوب ، فحذفت هذه المضافات والعائد إلى من وذكر القلوب لأنها منشأ التقوى والفجور أو الآمرة بهما.
(لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(٣٣)
(لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) أي لكم فيها منافع درها ونسلها وصوفها وظهرها إلى أن تنحر ، ثم وقت نحرها منتهية إلى البيت أي ما يليه من الحرم ، و (ثُمَ) تحتمل التراخي في الوقت والتراخي في الرتبة ، أي لكم فيها منافع دنيوية إلى وقت النحر وبعده منافع دينية أعظم منها ، وهو على الأولين إما متصل بحديث (الْأَنْعامِ) والضمير فيه لها أو المراد على الأول لكم فيها منافع دينية تنتفعون بها إلى أجل مسمى هو الموت ، ثم محلها منتهية إلى البيت العتيق الّذي ترفع إليه الأعمال أو يكون فيه ثوابها وهو البيت المعمور أو الجنة ، وعلى الثاني (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ) التجارات في الأسواق إلى وقت المراجعة ثم وقت الخروج منها منتهية إلى الكعبة بالإحلال بطواف الزيارة.
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)(٣٥)
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) ولكل أهل دين. (جَعَلْنا مَنْسَكاً) متعبدا أو قربانا يتقربون به إلى الله ، وقرأ حمزة والكسائي بالكسر أي موضع نسك. (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) دون غيره ويجعلوا نسيكتهم لوجهه ، علل الجعل به تنبيها على أن المقصود من المناسك تذكر المعبود. (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) عند ذبحها ، وفيه تنبيه على أن القربان يجب أن يكون نعما. (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا) أخلصوا التقرب أو الذكر ولا تشوبوه بالإشراك. (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) المتواضعين أو المخلصين فإن الإخبات صفتهم.
(الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) هيبة منه لإشراق أشعة جلاله عليها. (وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ) من الكلف والمصائب. (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) في أوقاتها ، وقرئ «والمقيمين الصلاة» على الأصل. (وَمِمَّا