حدود الله مطلقا بتحريم حلال أو تحليل حرام ، أو غير ذلك ، أو في المأكل والمشرب والملبس ، فلا يجوز الأكل والشرب واللبس مما لا يحلّ ذلك منه ، ولا ينبغي أيضا ما لا يليق بحاله ، ولبس لباس التجمّل وقت النوم والخدمة ، ونحو ذلك ، كما بيّن وفصل في موضعه ، أو في الأكل والشرب واللبس وهو قريب من الثاني.
عن ابن عباس (١) كل ما شئت والبس ما شئت ما اخطاتك خصلتان : سرف ومخيلة أو في الأكل والشرب إشارة إلى كراهة الإكثار أو تحريمه أو تحريم المؤدّي منه إلى الضرر ، ولهذا قيل جمع الله الطبّ في نصف آية.
(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
قيل أي يبغضهم ، فينبغي حمل لا تسرفوا على فعل الحرام ، في تفسير البيضاوي : أي لا يرتضي فعلهم وفيه نظر.
وقد أكد ما تقدّم بقوله (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) الثياب وسائر ما يتجمّل به (الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) من النبات كالقطن والكتّان ، من الحيوان كالحرير والصوف من المعادن : كما يعمل منه الدروع وغيرها.
(وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) المستلذّات من المآكل والمشارب أو المباحات والاستفهام للإنكار ، ففي الآية دلالة واضحة على أنّ الأشياء المذكورة أو مطلقا لعدم الفرق على الإباحة دون الحرمة ، كما في غيرها كما صرّح الكشاف في قوله (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) أي لانتفاعكم بجميع ما خلق فيها ، بل هي وما فيها ، كما دلّ عليه العقل ، فاجتمع العقل والنقل على أنّ الأصل في الأشياء هو الإباحة فغيرها يحتاج إلى دليل فتأمّل.
(قُلْ هِيَ) أي الزينة والطيّبات من الرزق (لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) الظرف متعلّق بآمنوا (خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) حال عن المستتر في متعلّق للّذين ، ويوم القيمة ظرف لخالصة ، أي لا يشاركهم غيرهم فيها كما يشاركهم في الدنيا ، أو متعلّق
__________________
(١) ترى هذا المضمون مرويا عن ابن عباس في الدر المنثور ج ٣ ص ٧٩ بألفاظ مختلفة.