المائدة (٤) (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ الاية).
كأنّه بيان المستثنى في قوله (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) فمن المحرّمات المتلوّة الميتة ، ولعلّها ما فارقته الروح من الحيوان بغير تذكية شرعية ، وقيل يحتمل أن يكون المراد من الحيوان المأكول اللحم فيكون التحريم من الموت خاصّة كما هو ظاهر السياق ، وفيه منع لعدم منافاته أن يكون هناك جهة أخرى أيضا للحرمة ، مع إطلاق اللفظ أو عمومه.
ثمّ ظاهر ذلك مشعر بأن ما لم تحلّ فيه الحيوة منها لا يدخل في الحرمة ، ولهذا استثناه الأصحاب مؤيّدا بالإجماع على الظاهر والأخبار ، ولا في الميتة حقيقة ، فالاستثناء على التجوّز فافهم.
ثمّ لا ريب أنّ إسناد الحرمة إلى الذوات ليس حقيقة فلا بدّ من اعتبار ما به يصحّ ذلك ، ومع احتمال أمور وعدم أولويّة البعض ، الأولى ما يعمّ الجميع لئلّا يلزم الإجمال ، ولا الترجيح من غير مرجّح ، وهو هنا الانتفاع مطلقا ، وحينئذ فيدلّ على عدم جواز لبس جلد الميتة في الصلاة وغيرها دبغت أم لا (١) بل سائر الاستعمالات والانتفاعات كما تدلّ عليه الاخبار ، بل إجماع الأصحاب ظاهرا.
أمّا دلالة الآية على نجاسة الميتة فلا ، بل ربّما يقال المتبادر من تحريم الميتة هنا تحريم أكلها كما في الدم ولحم الخنزير ، كتبادر حلّه من قوله (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) فلا يستلزم محذورا ، ولا يدلّ على غيره من الانتفاعات فان ثبت فبغيرها ، تأمّل فيه وسيأتي البحث في التتمّة في الأطعمة إن شاء الله تعالى.
النحل (٥) (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ.)
الانعام الأزواج الثمانية ، وأكثر ما يقع على الإبل ، وانتصابها بمضمر يفسّره الظاهر ، أو بالعطف على الإنسان في قوله (خَلَقَ الْإِنْسانَ) و (خَلَقَها لَكُمْ) بيان ما خلق لأجله.
__________________
(١) انظر تعاليقنا على كنز العرفان ج ١ من ص ٩٧ الى ص ١٠١.