وبيانه : أن معناها المقاربة ، ولا شك أن معنى. «كاد يفعل» : قارب الفعل ، وأن معنى «ماكاد يفعل» : ماقارب الفعل ، فخبرها منفي دائماً ، أما إذا كانت منفية فواضح ; لأنه إذا انتفت مقاربة الفعل انتفى عقلا حصول ذلك الفعل ، ودليله : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) (النور / ٤٠) ولهذا كان أبلغ من أن يقال : «لم يرها» ; لأن من لم يرقد يقارب الرؤية ، وأما إذا كانت المقاربة مثبتة فلأن الإخبار بقرب الشيء يقتضي عرفاً عدم حصوله ، وإلا كان الإخبار حينئذ بحصوله لابمقاربة حصوله : إذ لايحسن في العرف أن يقال لمن صلى : «قارب الصلاة» وإن كان ما صلى حتى قارب الصلاة ، ولا فرق فيما ذكرنا بين «كاد» و «يكاد» فإن اُورد على ذلك (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) (البقرة / ٧١) مع أنهم قد فعلوا ; إذ المراد بالفعل : الذبح ، وقد قال تعالى : (فَذَبَحُوها) (البقرة / ٧١) فالجواب : أنه إخبار عن حالهم في أول الأمر ; فإنهم كانوا أولا بعداء من ذبحها ; بدليل ما يتلى علينا من تعنتهم وتكرر سؤالهم ، ولما كثر استعمال مثل هذا فيمن انتفت عنه مقاربة الفعل أولا ثم فعله بعد ذلك توهم من توهم أن مثل هذا الفعل بعينه هو الدال على حصول ذلك الفعل بعينه ، وليس كذلك ، وإنما فهم حصول الفعل من دليل آخر كما فهم في الآية من قوله تعالى : (فذبحوها).
ومنها : قولهم في نحو : «جلست أمام زيد» : إن «زيداً» مخفوض بالظرف ، والصواب : أن يقال : مخفوض بالإضافة ; فإنه لا مدخل في الخفض لخصوصية كون المضاف ظرفاً.