لو رجحت غيره لكان السؤال عائدا. وعلى هذا التقدير يلزم أن يكون كون الإرادة مرجّحة معللة بعلّة أخرى وهو محال ، لأنّ كون الإرادة مرجّحة صفة نفسية لها ، كما أنّ كون العلم بحيث يعلم به المعلوم أمر ذاتي له ولمّا استحال تعطيل الصفات الذاتية استحال تعليل كون الإرادة مرجّحة.
والمعتمد في دفع السؤال اسناد الترجيح إلى ذات الإرادة لئلا يرد عليه قول الرئيس.
لا يقال : هذا السؤال باطل لأنّه عائد في كلّ وقت.
لأنّا نقول : بل هو حقّ لأنّه عائد في كلّ وقت.
الوجه الرابع : قالت الأشعرية : إنّه تعالى عالم وعلمه متعلّق بجميع الأشياء وإذا كان كذلك كان تعالى عالما بأنّ الأشياء توجد وأنّها لا توجد ووقوع ما علم الله تعالى أنّه لا يوجد محال ، وعدم وقوع ما علم أنّه يوجد محال أيضا والإرادة لا تتعلّق بالمحال ، فلا جرم تعلّقت الإرادة بوقوع ما تعلّق العلم بوقوعه وبعدم وقوع ما تعلّق العلم بعدم وقوعه. ولمّا علم الله تعالى أنّ العالم يوجد في الوقت المعيّن أراد إيجاده فيه دون ما قبله وما بعده.
الوجه الخامس : قالت المعتزلة : إنّ الله تعالى إنّما رجح إيجاد العالم في ذلك الوقت ، لأنّ الإيجاد إحسان والإحسان أفضل من تركه ، وإنّما اختص الإيجاد بذلك الوقت لجواز أن يكون إيجاده في ذلك الوقت متضمنا لنوع مصلحة عائدة إلى المكلّف لو أوجده في وقت آخر لم تحصل تلك المصلحة ، وحينئذ يكون إيجاده في ذلك الوقت أولى من إيجاده في غيره. ولمّا دلّ الدليل على حدوث العالم ودلّ الدليل على أنّ اختصاصه بالحدوث في ذلك الوقت دون ما عداه إنّما يكون لاختصاص ذلك الوقت بمرجح ومخصص لا يوجد في غيره وجب علينا القطع بذلك وإن