قلنا : هذا باطل ، لأنّ الفلك إذا حاول لأنّ التشبه بالعقول (١) فليس ذلك لأنّه يحاول أن يجعل نفسه مثل العقل ؛ لأنّ الجسم لا يصير عقلا لاستحالة انقلاب الأجناس ، بل المعيّن من هذا التشبه أنّ الفلك يحاول أن يحصّل بالفعل كلّ الكمالات التي يمكن حصولها له كما أنّ العقل قد حصل له بالفعل من الكمالات كلّ ما يمكن الحصول له ، وإن كان المعنى من التشبه ذلك لم يكن اختلاف ماهيات العقول موجبا اختلاف هذه الحركات ، لأنّ العقل المجرّد كيف كان حقيقته وماهيته فإن تشبه الفلك به من الوجه المذكور لا يختلف أصلا.
لا يقال : ماهيات العقول مختلفة فلا يلزم من كون ماهية عقل موجبة لحركة (٢) مخصوصة كونها موجبة حركة أخرى ، لأنّه ليس الموجب لذاته شيئا موجبا لذاته كلّ شيء.
لأنّا نقول : لا نزاع في ذلك ، ولكن العقل لمّا لم يكن جسما ولا جسمانيا كانت نسبته إلى جميع الأجسام المتماثلة واحدة فلم يكن بأن يختصّ بعض الأجسام لقبول أثره الخاص أولى من غيره إلّا لأمر زائد على الجسمية ، وذلك الزائد إن كان حالا في الجسم عاد السؤال فيه وإن كان محلا له كان باطلا لما مرّ من أنّ الجسمية لا محلّ لها.
قوله : «افتقار الموضع المعيّن من الفلك ليس متأخّرا عن وجود الفلك».
قلنا : هذا باطل ، لأنّ كون ذلك الموضع للكوكب عبارة عن السطح مع إضافة خاصة وهي كونها محيطا بجسم آخر فتلك الإضافة متأخرة عن ذلك السطح المتأخر عن وجود الجسم فيكون حصول تلك النقرة متأخرا لا محالة عن
__________________
(١) ج : «العقل».
(٢) ج : «حركة».