لا يقال : أنتم بنيتم هذا الكلام على أنّ علّية العلّة المؤثرة حكم زائد على ذاتها ، وهو ممنوع.
لأنّا نقول : الفلاسفة اتّفقوا أنّ مقولة أن يفعل أحد أجناس الأعراض ، فلا يمكنكم الامتناع من ذلك هنا.
ثمّ نقول : هذه الشبهة التي ادعيتم قوتها لا تدل على قدم الأجسام لاحتمال أن يقال: إنّ واجب الوجود مريد بإرادات حادثة لا أوّل لها وكلّ سابق منها علّة لحصول اللاحق على الوجه الذي ذكرتموه في الحركة ثمّ تلك الإرادات انتهت إلى إرادة حادثة متعلّقة بإيجاد الأجسام. فعلى هذا : الحوادث وإن لم تكن لها بداية إلّا أنّ الأجسام مع ذلك تكون حادثة.
لا يقال : هذا مبني على أنّه تعالى عالم بالجزئيات قاصد إلى إيجادها.
لأنّا نقول : سيأتي إثباتهما.
سلّمنا : فلم لا يجوز أن يكون واجب الوجود لذاته علّة لوجود موجود غير جسماني له إرادات جزئية لا بداية لها ، ثمّ إنّها انتهت تلك الإرادات إلى إرادة متعلّقة بخلق الأجسام؟ وعلى هذا الفرض تكون الأجسام محدثة.
لا يقال : القصود الجزئية لا تحصل إلّا مع الإدراكات الجزئية وهي لا تحصل إلّا مع الآلات الجسمية ، فيلزم من لا أوّلية تلك الإرادات لا أوّلية الجسم.
لأنّا نقول : لا نسلّم أنّ الإرادات الجزئية إنّما تحصل بالآلات الجسمانية. وهذا الاحتمال مذهب قوم من الحكماء القائلين بحدوث العالم ، وكان محمد بن زكريا الطبيب من المتأخرين ناصرا له ، ولم يستقل أحد من أصحاب أرسطو بإبطاله.