والجواب عن الثاني (١) : أنّه معارض بالحادث اليومي ، فانّه صحيح الوجود في الأزل وإلّا لم يوجد فيكون واجب الوجود في الأزل لما قلتم ، لكنّه حادث بالضرورة ، فما هو جوابكم عنه فهو جوابنا عن العالم. فإن أجبتم بأنّ الحادث المعيّن كان ممتنعا في الأزل ثمّ انقلب ممكنا فيما لا يزال ، فنحن نقول في كلّ العالم كذلك. وإن قلتم : إنّه كان ممكنا في الأزل مع أنّه لم يجب حصوله في الأزل ، فكذا هنا.
ثمّ نقول : إنّه صحيح الوجود في الأزل بالنظر إلى ذاته لا إلى كونه محدثا وممتنع في الأزل باعتبار وصف المخلوقية ، فلا يلزم انقلاب الممتنع لذاته ممكنا ولا وجوده أزلا ولا استحالة العالم في الأزل لذاته ولا استغناء الحادث عن المؤثر ، وبه يعرف بطلان الكبرى.
وعن الثالث : (٢) لا نسلّم سبق الإمكان في الخارج ، لأنّه أمر ذهني لا وصفا ثبوتيا على ما تقدّم (٣) فلا يستدعي محلا ، وإلّا تسلسل. وتلازم الهيولى والصورة ، تقدّم بطلانه. (٤) ويعارض بالهيولى نفسها فانّها ممكنة فإمكانها ليس حالا فيها ، لامتناع قبول الشيء تقدّمه عندكم فلها هيولى ، وكذا للمجردات الممكنة عندكم.
__________________
(١) من الوجوه التي تمسك بها الفلاسفة لإثبات قدم العالم. تقدم في ص ١٣٧.
(٢) أجاب عنه الشهرستاني أيضا بأنّ الإمكان أمر راجع إلى التقدير الذهني. نهاية الاقدام : ٣٤. وكذا الرازي في المحصل والمطالب العالية ٤ : ١٧٠. واعترض عليه الطوسي وفرّق بين الإمكان الذي محلّه الماهية وبين الإمكان الذي محلّه المادة ؛ بأنّ الأوّل منهما أمر عقلي يعقل عند انتساب الماهية إلى وجودها ، والثاني عبارة عن الاستعداد ، وهو استعداد وجود شيء يكون قبل وجود ذلك الشيء ويحتاج إلى محلّ ، لأنّه عندهم عرض موجود من جنس الكيف.
ثمّ ذكر الجواب الصحيح بأنّ الأمور الإبداعيّة لا يتصور فيها استعداد يتقدّم وجودها ... نقد المحصل : ٢٠٦ ـ ٢٠٧.
(٣) في المجلد الأوّل ، ص ١١١ و ١١٢.
(٤) في ج ٢ ، ص ٥٤٦ وما يليها.