وربما يكون مراده ما اختاره الفلاسفة من احتياج الأجسام حال بقائها إلى المؤثر فظن الناقل عنه ما نقله.
والأوّل الأقوال فيه ثلاثة :
القول الأوّل : ينكر صحّة عدمها.
القول الثاني : أن يعترف بصحّة عدمها.
القول الثالث : أن يتوقّف فيهما.
أمّا المنكرون فامّا أن يقولوا بأزليتها وهم جماهير الفلاسفة (١) فانّهم اعتقدوا وجوب أزلية العالم وأبديته ، لكن لا لذاته بل لغيره. وإن كان بعضهم ذهب إلى أنّها واجبة الوجود لذاتها خصوصا الأجسام السماوية وهم الصابئة وقد تقدم.
وذهب بعضهم إلى أنّها تحدث حالا فحالا لا بمعنى أنّها تعدم ويتجدد لها وجود كلّ وقت ، بل عدمها على طريقة التفرق وعود ما كان من الهواء إليه ومن النار إليه ثمّ كذلك. وتكون الأجسام عندهم بمنزلة السيالات ، وشبهوا ذلك بالواقف في الماء الجاري فانّه يمرّ به في كلّ حال غير ما كان في الأوّل.
__________________
(١) قال الشيخ : «فإذا كان شيء من الأشياء لذاته سببا لوجود شيء آخر دائما كان سببا له دائما ما دامت ذاته موجودة. فإن كان دائم الوجود كان معلوله دائم الوجود ، فيكون مثل هذا من العلل أولى بالعلية ، لأنّه يمنع مطلق العدم للشيء ، فهو الذي يعطى الوجود التام للشيء ... والذي يكون للشيء في نفسه أقدم عند الذهن بالذات لا في الزمان من الذي يكون عن غيره ...» الفصل الثاني من المقالة السادسة من إلهيات الشفاء : ٢٦٦.
وقال الرازي في شرحه عبارة الشيخ في الإشارات (وهذا سرّ تطّلع منه على أسرار أخرى) : «كون كلّ سابق علّة معدّة للّاحق سر عظيم تطّلع منه على أسرار هي اقتضاء ذلك أن لا تكون للحوادث بداية زمانية ، وأنّه لا بدّ من حركة سرمديّة لا بداية لها ولا نهاية لتكون تلك الحركة سببا لحصول تلك الاستعدادات المختلفة في المادة». ثمّ قال الطوسي : «ومن تلك الأسرار التنبيه بوجود مبدأ قديم يفيض وجود هذه الحوادث عند حصول الاستعدادات ...» شرح الإشارات ٢ : ١١٣ ـ ١١٤. راجع أيضا نفس المصدر ٣ : ٨٢ ؛ ابن رشد فيلسوف قرطبة : ١٦٧ (أزلية العالم).