وقال بعضهم : إنّ الجواهر لا تحدث في كلّ حال حتى يحدث في الثاني مثل ما حدث في الأوّل. ولكنّه يقول : الذات تكون واحدة والحدوث متجدد عليها في كلّ حال كتجدد الإرادات على أحدنا ، وحمل كلام النظام أيضا عليه.
وإمّا أن لا يقولوا بأزليتها ، بل يقولون بحدوثها ، لكنّها بعد أن دخلت في الوجود يستحيل عدمها وهو مذهب الجاحظ وجمع من الكرّامية. (١)
وأمّا المعترفون بصحّة فنائها فقد اختلفوا في موضعين :
الأوّل : هل في العقل طريق إلى معرفة هذه الصحّة؟ فجمهور المسلمين اعترفوا بذلك. وذهب أبو هاشم إلى أنّه لا طريق إلى معرفة هذه الصحّة إلّا بالسمع ؛ فانّ السمع لمّا دلّ على عدم العالم عرف بعد ذلك صحّة عدمه. (٢)
الثاني : في كيفية فناء العالم (٣) ، فانّه إمّا أن يكون فناء لا لأمر ، ولم يذهب إليه أحد. وإمّا أن يكون لأمر ، فإمّا أن يكون لاعدام معدم أو لحصول ضد أو لانقطاع شرط.
أمّا الأوّل : فيحتمل وجهين :
__________________
(١) راجع الشهرستاني ، الملل والنحل (الجاحظية) و (الكرامية).
(٢) أنظر كلامه في المجموع في المحيط بالتكليف ٢ : ٢٨٦. وذهب إليه البحراني أيضا حيث قال : «الطريق إلى الحكم بذلك ليس إلّا من جهة السمع ، لانّ العقل ليس له إلّا الحكم بجواز ذلك ، لكن ليس كلّ ما جاز وقع». قواعد المرام : ١٤٩. وقال أيضا القاضي عبد الجبار : «اعلم أنّ العقل يجوّز فيه أن يصحّ فناؤه ، ويجوّز أن يستحيل ذلك فيه. فطريقه من حيث العقل التجويز ؛ لأنّه لا دليل يقتضي القطع على أحد الأمرين. وما انتفى الدليل فيه وجب التوقف ، على ما نقوله في سائر المصالح الشرعية». واستدل لإثبات الفناء بالأدلّة السمعية ، فراجع المغني ١١ : ٤٣٢ (الكلام في الفناء والإعادة).
(٣) قال الخياط : «إنّ الكلام في فناء الشيء ، هل هو غيره أو ليس بغيره أو هل يحلّ فيه أو يحلّ في غيره؟ من غامض الكلام ولطيفه. وقد اختلف الناس فيه اختلافا شديدا». ثمّ ذكر الأقوال في هذه المسألة ، فراجع الانتصار : ١٩.