الوجه الأوّل : أن يعدم الله تعالى العالم فيصير معدوما ، كما أنّه لما أوجده في أوّل الأمر صار موجودا وهذا هو أحد قولي القاضي من الأشعرية وقول الجاحظ وقول محمود الخوارزمي من المعتزلة.
الوجه الثاني : أن يقول الله تعالى له «افن» فيفنى ، كما قال في الابتداء والاحداث «كن» فكان ، وهذا هو مذهب أبي الهذيل. (١)
وأمّا الثاني : وهو أن يكون فناء العالم لحدوث ضدّ له ، وهو مذهب جمهور المعتزلة (٢) ويسمون ذلك الضدّ فناء. ثمّ ذلك الفناء إمّا أن يكون له حصول في الحيز على طريق الاستقلال أو لا ، فإن لم يكن فإمّا أن يكون قائما بالمتحيز أو لا يكون ، فهاهنا احتمالات ثلاثة. ذهب إلى كلّ واحد منها قوم من المعتزلة.
الأوّل : مذهب ابن الاخشيد (٣) ، فانّه قال : إنّ الفناء وإن لم يكن متحيزا إلّا أنّه يكون حاصلا في جهة معيّنة فإذا أحدثه الله تعالى فيها عدمت الجواهر بأسرها.
الثاني : مذهب ابن شبيب ، فانّه زعم أنّ الله تعالى يحدث في كلّ جوهر فناء ثمّ إنّ ذلك الفناء يقتضي عدم الجوهر في الثاني. (٤)
__________________
(١) قال أبو الهذيل : «... والبقاء قول الله عزوجل للشيء ابق والفناء قوله افن». مقالات الإسلاميين : ٣٦٦ (واختلف المتكلّمون في البقاء والفناء). راجع أيضا شرح الأصول الخمسة : ٥٦٢.
(٢) قال القاضي عبد الجبار : «فعند مشايخنا أنّه ينتفي بضد». المجموع في المحيط بالتكليف : ٢٨٨.
(٣) سبق الترجمة له في الجزء الأوّل.
(٤) أي في الزمان الثاني. وقال محمد بن شبيب : المعنى الذي هو فناء ومن أجله يعدم الجسم لا يقال له فناء حتى يعدم الجسم وأنّه حالّ في الجسم في حال وجوده فيه ثمّ يعدم بعد وجوده. مقالات الإسلاميين : ٣٦٧. وهذا مثل قول القلانسي حيث يقول : إنّما يفني الله الجوهر ببقاء يخلقه فيه فيفنى الجوهر في الحال الثانية من حال حدوث الفناء فيه. غير أنّ القلانسي أثبت بقاء الجسم معنى غير الجسم وزعم ابن شبيب أنّ البقاء ليس غير الباقي. البغدادي ، أصول الدين : ٢٣٠ و ٢٣١.